للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم قال: " وأما الذين خالفوه فمدركهم أن السكوت ترك فلا يدل على استحباب السكوت ولا على كراهة ضده".

قد علمت مما تقدم أن هؤلاء الذين يزعم أنهم مخالفون لمالك في سنة ترك القراءة في التشييع لا وجود لهم في الأمة ولا في شيوخ مذاهبهم ومع ذلك فقد أخذ فضيلته يقرر في مدركهم فزعم أن السكوت ترك وأن الترك لا يدل على استحباب السكوت ولا على كراهة ضده، ومقتضى هذا الاستدلال من السنة النبوية يكون بالفعل دون الترك وهذا باطل والحق أنه كما يستدل بفعله- صلى الله عليه وآله وسلم- يستدل بتركه. والتقرب إلى الله بترك ما تركه كالتقرب إليه بفعل ما فعله. ومن فعل ما تركه كمن ترك ما فعله وكما لا يتقرب إلى الله تعالى بترك ما فعله كذلك لا يتقرب إليه بفعل ما تركه، وهاك من كلام الأئمة ما يثبت لك هذا الأصل ويعرفك بدليله:

قال ابن السمعاني: "إذا ترك الرسول صلى الله عليه وآله وسلم- شيئا وجب علينا متابعته فيه ألا ترى أنه- صلى الله عليه وآله وسلم- لما قدم إليه الضب فأمسك عنه وترك أكله، أمسك عنه الصحابة وتركه إلى أن قال لهم: أنه ليس بأرض قومي فأجدني أعافه. وأذن لهم في أكله"، نقله الشوكاني في (إرشاد الفحول)، وفي أوائل الجزء الرابع من (الموافقات) للإمام الشاطبي بحث واف في الاستدلال بتركه - صلى الله عليه وآله وسلم- وذكر أنواعه، وقال القسطلاني في كتابه (المواهب اللدنية): "وتركه- صلى الله عليه وآله وسلم- سنة كما أن فعله سنة فليس لنا أن نسوي بين فعله وتركه فنأتي من القول في الوضع الذي تركه بنظير ما أتى به في الموضع الذي فعله" وقال ابن حجر الهيتمي: "ألا ترى أن الصحابة- رضي الله عنهم- والتابعين لهم بإحسان أنكروا الأذان لغير الصلوات الخمس كالعيدين وإن لم يكن فيه نهي، وكرهوا استلام الركنين الشاميين، والصلاة

<<  <  ج: ص:  >  >>