التسبب أو شرعية العمل مع قيام المعنى المقتضى له. وبيان ذلك أن سكوت الشارع عن الحكم على ضربين أحدهما أن يسكت عنه لأنه لا داعية له تقتضيه ولا موجب يقرر لأجله كالنوازل التي حدثت بعد رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- فإنها لما تكن موجودة ثم سكت عنها مع وجودها، وإنما حدثت بعد ذاك فاحتاج أهل الشريعة إلى النظر فيها وإجرائها على ما تقرر في كلياتها. وما أحدثه السلف الصالح راجع إلى هذا القسم، كجمع المصحف وتدوين العلم وتضمين الصناع وما أشبه ذلك مما لم يجر له ذكر في زمن رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- ولم تكن من نوازل زمانه ولا عرض للعمل بها موجب يقتضيها فهذا القسم جارية فروعه على أصوله المقررة شرعا بلا إشكال. فالقصد الشرعي فيها معروف من الجهات المذكورة قبل.
والثاني أن يسكت عنه وموجبه المقتضى له قائم، فلم يقرر فيه حكم عند نزول النازلة زائد على ما كان في ذلك الزمان، فهذا الضرب السكوت فيه كالنص على أن قصد الشارع أن لا يزاد فيه ولا ينقص لأنه لما كلن هذا المعنى الموجب لشرع الحكم العملي موجودا ثم لم يشرع الحكم ولا نبه عليه كان ذلك صريحا في أن الزائد على ما كان هناك بدعة زائدة ومخالفة لما قصد الشارع إذ فهم من قصده الوقوف عند ما حد هنالك لا الزيادة عليه ولا النقصان منه ومثال هذا سجود الشكر في مذهب مالك، وهو الذي قرر هذا المعنى في العتبية من سماع أشهب وابن نافع، ثم نقل كلام مالك وبينه، وتطبيق هذا الأصل على مسألتنا أن تقول: (إن المقتضي للقراءة- وهو حصول البركة للميت ووصول الثوابا إليه- قائم ومع قيامه فقد ترك النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- القراءة ففهم من هذا الترك مع قيام المقتضى أن قصد الشارع هو الوقوف عندما بين من السكوت والاعتبار، وأن زيادة القراءة في ذلك الموطن بدعة زائدة ومخالفة لما قصد الشارع وإن كانت عبادة من حيث ذاتها، كما قال مالك في سجود الشكر عند الأمر