ونعى بها من قبل ذلك نفسه ... أكرم بها يا صاح نفسا طاهره
ولصاحب الكشّاف يعزى نظمها ... والعدّ منها أربع متفاخره
وأنا الّذي ضمّنتها مرثيّتي ... جهرا وأوّلها بغير مناكره
قرب الرّحيل إلى ديار الآخرة ... فاجعل إلهي خير عمري آخره
وارحم مبيتي في القبور ووحدتي ... وارحم عظامي حين تبقى ناخره
فأنا المسيكين الّذي أيّامه ... ولّت بأوزار غدت متواتره
فلئن رحمت فأنت أكرم راحم ... فبحار جودك يا إلهي زاخره
هذا لعمري آخر الأبيات إذ ... هي أربع كملت تراها باهره
وأنا أعود إلى رثائي عودة ... تجلو لسامعها بغير منافره
قهرتني الأيّام فيه فليتني ... في مصر متّ وما رأيت القاهره
هجرتني الأحلام بعدك سيّدي ... واحرّ قلب قد رمي بالقاهرة
من شاء بعدك فليمت أنت الّذي ... كانت عليك النّفس قدما حاذره
وسهرت مذ صرخ النّعيّ بزجرة ... فإذا هم من مقلتي بالسّاهرة
ورزئت فيه فليت أنّي لم أكن ... أوليت أنّي قد سكنت مقابره
رزء، جميع النّاس فيه واحد ... طوبى لنفس عند ذلك صابره
يا نوم، عيني لا تلمّ بمقلتي ... فالنّوم لا يأوي لعين ساهره
يا دمع، واسقي تربه ولو أنّها ... بعلومه جرت البحار الزاخرة
يا حبر فارحل ليس قلبي فارغا ... سكنته أحزان غدت متكاثره
يا نار شوقي بالفراق تأجّجي ... يا أدمعي بالمزن كوني ساجره [ (١) ]
يا قبر، طب قد صرت بيت العلم أو ... عينا به إنسان قطب الدائرة
يا موت، إنّك قد نزلت بذي النّدى ... ومذ استضفت حباك نفسا خاطره
يا ربّ فارحمه وسقّ ضريحه ... بسحائب من فيض فضلك غامره
يا نفس صبرا فالتّأسّي كائن ... بوفاة أعظم شافع في الآخرة
المصطفى زين النّبيّين الّذي ... حاز العلا والمعجزات الباهره
صلّى عليه اللَّه ما صال الرّدى ... فينا وجرّد للبريّة باتره
وعلى عشيرته الكرام وآله ... وعلى صحابته النّجوم الزّاهره
ومنهم الشّهاب أحمد بن محمد بن علي المنصوري صاحب القصيدة الماضية
[ (١) ] وإذا البحار سجّرت (فهي بالجيم وليست بالخاء) .