فإنّ اللَّه حين اختار نبيّه محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم لتبليغ رسالته اختار له أصحابا على شاكلته، عزّروه ونصروه واتّبعوا النّور الّذي أنزل معه، عاشوا تحت راية نبيّهم سعداء، وماتوا صديقين أو شهداء، كان التّوحيد مبدأهم، والحب ديدنهم، والسلام طبيعتهم، والصلاة والصيام والصدقة وصلة الأرحام منهجهم، ورضا اللَّه غايتهم. ملئوا الدنيا نورا، وأشاعوا في الكون بهجة وسرورا، وقادوا الإنسانية إلى ركب الحضارة المستنيرة، وأرسوا قواعد الدين فلم يغيروا ولم يبدّلوا، حبب اللَّه إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم، وكرّه إليهم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون فضلا من اللَّه ونعمة.
ولما ختار اللَّه نبيه إلى جواره بعد أن ترك الناس على المحجّة البيضاء تألق في سماء الإسلام نجم كان الوزير الأول في حياته صلّى اللَّه عليه وسلم ثم صار الخليفة بعد مماته، ذلكم هو أبو بكر الصديق الّذي سار على النّهج المحمدي في غير تحريف ولا تبديل.
فقضى على أول فتنة ظهرت بعد وفاة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في سقيفة بني ساعدة ... تلك التي أثارها وأشعل نارها سعد بن عبادة الخزرجي، بعد أن منّ اللَّه على أبي بكر بقوة الحجّة والبرهان، ومنّ على سعد بن عبادة ومن اتبعه بالطاعة والإذعان، ثم توجّه إلى مانعي الزّكاة فأعادهم بقوة بأسه ورباطة جأشه إلى ما كانوا عليه في عهد النبي عليه الصلاة والسلام، وحارب المرتدين فعادوا إلى حظيرة الإسلام صاغرين، وأنفذ جيش أسامة إلى الرّوم، وكان قد جهزه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم للخروج إليهم، ولتأديب الغساسنة العرب الذين هجروا الجزيرة العربية، واستقروا في الشام، وواجه أدعياء النّبوة من أمثال مسيلمة الكذّاب والأسود العنسيّ وطليحة الأسديّ وسجاح التميمية وغيرهم فارتدوا خاسرين.
ثم انطلق أبو بكر يرسل كتائب الإيمان خارج الجزيرة العربية في العراق والشام، ليكسر حاجز الخوف الّذي استولى على نفوس العرب من بطش هاتين الدّولتين العظيمتين (الفرس والروم) .