للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكانت هذه الفضائل المشرقة فيه، من بواعث إيمان المنصفين من أهل الجاهليّة به، ولقد اضطر أن يشهد له بها أعداؤه الألدّاء، كما آمن بها أتباعه الأوفياء.

ومما يذكر بالإعجاب والفخر لبني الإسلام

أنه صلّى اللَّه عليه وسلم عرض الإسلام على بني عامر بن صعصعة، وذلك قبل الهجرة، وقبل أن تقوم للدين شوكة، فقال كبيرهم: أرأيت إن نحن تابعناك على أمرك، ثم أظهرك اللَّه على من خالفك أيكون لنا الأمر من بعدك، فأجابه صلّى اللَّه عليه وسلم بتلك الكلمة الحكيمة الخالدة: «الأمر للَّه يضعه حيث يشاء» [ (١) ]

فقال له كبيرهم: أفتهدف نحورنا للعرب دونك، فإذا أظهرك اللَّه كان الأمر لغيرنا لا حاجة لنا بأمرك.

وهنا تتجلّى سياسة الإسلام، وأنها سياسة صريحة مكشوفة، رشيدة، شريفة لا تعرف الالتواء والكذب والتّضليل كما تتجلّى صراحة في نبيّ الإسلام وصدق نبي الإسلام، وشرف نبيّ الإسلام، عليه الصلاة والسلام.

[العامل العاشر:]

سموّ تربية الصّحابة على فضائل الإسلام كلّها، وكمال تأدبهم بآداب هذا الدين الحنيف وشدة خوفهم من اللَّه، وصفاء نفوسهم إلى حدّ لا يتفق والكذب، خصوصا الكذب على اللَّه تعالى، والتجنّي على أفضل الخليقة صلوات اللَّه وسلامه عليه.

وإذا استعرضنا تاريخ الصّحابة رضوان اللَّه عليهم نشاهد العجب من عظمة تأديب الإسلام لهم، وتربيته إيّاهم تربية سامية جعلتهم أشباه الملائكة يمشون على الأرض لا سيما ناحية الصّدق والأمانة، والتثبّت والتّحرّي والاحتياط، وذلك من كثرة ما قرر القرآن فيهم لهذه الفضائل.

ومن عناية الرّسول صلّى اللَّه عليه وسلم بهم علما وعملا ومراقبة حتى أصبحوا بنعمة من اللَّه وفضل منطبعة قلوبهم على هذه الجلائل متشبّعة نفوسهم بمبادئ الشّرف والنبل تأبى عليهم كرامتهم أن يقاربوا الكذب أو يقارفوا التّهجم لا سيّما التّهجّم على مقام الكتاب العزيز وكلام صاحب الرسالة صلّى اللَّه عليه وسلم.

قالت عائشة رضي اللَّه عنها «ما كان خلق أشد على أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من الكذب، ولقد كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يطّلع على الرّجل من أصحابه على الكذب فما ينجلي من صدره حتى يعلم أنه أحدث توبة للَّه عزّ وجلّ» [ (٢) ] .


[ (١) ] أخرجه الدار الدّارقطنيّ في السنن ٣/ ٢٢١ بلفظ الأمر إلى اللَّه- وذكره العجلوني في كشف الخفاء ١/ ٢٢٤.
[ (٢) ] مناهل العرفان في علوم القرآن للشيخ الزرقاني ص ٢٨٣ والصفحات التي بعدها بتصرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>