للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد أخرجه البيهقيّ في الدّلائل من هذا الوجه، وقال: هذا منقطع.

قلت: يعضده ما أخرجه الزبير بن بكار: حدثنا عثمان، عن الضحاك بن عثمان، عن عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن عروة بن الزبير، قال: كان بلال لجارية من بني جمح، وكانوا يعذبونه برمضاء مكة يلصقون ظهره بالرمضاء لكي يشرك فيقول: أحد، أحد، فيمر به ورقة وهو على تلك الحال، فيقول: أحد أحد يا بلال، واللَّه لئن قتلتموه لأتخذنه حنانا «١» .

وهذا مرسل جيد يدلّ على أن ورقة عاش إلى أن دعا النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم إلى الإسلام حتى أسلم بلال. والجمع بين هذا وبين حديث عائشة أن يحمل قوله: ولم ينشب ورقة أن توفي، أي قبل أن يشتهر الإسلام، ويؤمر النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم بالجهاد، لكن يعكر على ذلك ما أخرجه محمد بن عائذ في المغازي، من طريق عثمان بن عطاء الخراساني، عن أبيه، عن عكرمة، عن ابن عباس في قصة ابتداء الوحي، وفيها قصة خديجة مع ورقة بنحو حديث عائشة، وفي آخرها: لئن كان هو ثم أظهر دعاءه وأنا حي لأبلين اللَّه من نفسي في طاعة رسوله وحسن موازرته، فمات ورقة على نصرانيته، كذا قال، لكن عثمان ضعيف.

قال الزّبير: كان ورقة قد كره عبادة الأوثان، وطلب الدين في الآفاق، وقرأ الكتب، وكانت خديجة تسأله عن أمر النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم، فيقول لها: ما أراه إلا نبيّ هذه الأمة الّذي بشر به موسى وعيسى.

وفي المغازي الكبير لابن إسحاق، وساقه الحاكم من طريقه، قال: حدثني عبد الملك بن عبد اللَّه بن أبي سفيان بن العلاء بن حارثة الثقفي، وكان راعيه، قال: قال ورقة بن نوفل فيما كانت خديجة ذكرت له من أمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم:

يا للرّجال وصرف الدّهر والقدر

[البسيط] الأبيات، وفيها:

هذي خديجة تأتيني لأخبرها ... وما لنا بخفيّ الغيب من خبر


(١) الحنان: الرحمة والعطف، والحنان الرزق والبركة أراد: لأجعلن قبره موضع حنان أي مظنة من رحمة اللَّه فأتمسح به متبركا كما يتمسح بقبور الصالحين الذين قتلوا في سبيل اللَّه من الأمم الماضية فيرجع ذلك عارا عليكم وسبّة عند الناس. وكان ورقة على دين عيسى عليه السلام، وهلك قبيل مبعث النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، لأنه قال للنبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم: إن يدركني يومك لأنصرنك نصرا مؤزّرا، وفي هذا نظر، فإن بلالا ما عذب إلا بعد أن أسلم. النهاية ١/ ٤٥٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>