وقال أبو بكر بن أبي خيثمة: حدثنا محمد بن سلام الجمحيّ، قال: كان لأبي حية سيف يسميه لعاب المنية لا فرق بينه وبين الخشبة، وكان أجبن الناس، فحدثني جار له قال:
دخل بيته ليلة كلب فسمع حسّه فظنه لصّا فأشرفت عليه وقد انتضى سيفه لعاب المنية وهو يقول: أيها المغتر بنا والمجترئ، علينا، بئس، واللَّه، ما اخترت لنفسك، خير قليل وسيف صقيل، أخرج بالعفو عنك قبل أن أدخل بالعقوبة عليك، يقول هذا كله وهو واقف في وسط الدار، فبينما هو كذلك إذ خرج الكلب، فقال: الحمد للَّه الّذي مسخك كلبا وكفانا حربا.
وقال أبو محمّد بن قتيبة: كان أبو حية النميري من أكذب الناس، فحدّث يوما أنه يخرج إلى الصحراء فيدعو الغربان فتقع حوله فيأخذ منها ما شاء، فقيل له يا أبا حية، أرأيت إن أخرجناك إلى الصحراء يوما فدعوت الغربان فلم تأت ماذا نصنع بك؟ قال: أبعدها اللَّه إذا.
قال: وحدث يوما قال: عنّ لي ظبي فرميته فراغ عن سهمي، فعارضه السهم فراغ فعارضه، فما زال واللَّه يروغ ويعارضه حتى صرعة.
وأسندها المبرّد عن ابن أبي جبيرة، قال: كان أبو حية النميري أكذب الناس، وكان يروي عن الفرزدق فسمعته يوما يقول: عنّ لي ظبي فرميته فراغ، فذكر نحوه.
وقال الرّقاشيّ، عن الأصمعيّ: وفد أبو حية النميري على أبي جعفر المنصور وقد امتدحه وهجا بني حسن، فوصله بشيء دون ما أمّل، فصار إلى الحيرة فشرب عند خمارة، واشترى منها شنّة، فذكر له معها قصة قبيحة.
وقال ابن قتيبة: لقي ابن مناذر أبا حية النميري فقال له: أنشدني بعض شعرك، فأنشده، فقال: ما هذا؟ أهذا شعر؟ فقال أبو حية: وأي عيب فيه؟ ما فيه عيب إلا أنك سمعته.
وقال أبو عبيد البكريّ في «شرح أمالي القالي» : أبو حية النميري شاعر إسلامي أدرك أواخر دولة بني أمية وأول دولة بني العباس، ومات في آخر خلافة المنصور.
قلت: وما تقدم عن المرزباني أنه رثى المنصور يقتضي أنه عاش إلى خلافة المهدي كما قال. وحكى المرزباني أن سلمة بن عياش العامري الشاعر قال لأبي حية النميري:
أتدري ما يقول الناس؟ قال: وما يقولون؟ قال: يزعمون أني أشعر منك. فقال: إنا للَّه! هلك الناس.
وذكرها المرزباني أيضا، فقال: حدث من غير وجه عن سلمة بن عياش العامري من