للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٧٣/ ١٦ - "كُنْتُ أَكْرَهُ أَذَى قُرَيْشٍ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمَّا ظننتُ أَنَّهُمْ سَيَقْتُلُونَهُ، خَرَجْتُ حَتَّى لَحِقْتُ بِدَيْرٍ مِنَ الدِّيرَانِ، فَذَهَبَ أَهْلُ الدَّيْرِ إلى رَأسِهِم، فأَخْبَرُوهُ، فَقَال: أَقيموا لَهُ حَقَّهُ الَّذِى يَنْبَغِى لَهُ ثَلَاثًا، فَلَمَّا مَرَّت ثَلَاثٌ رَأوْهُ لَمْ يَذْهَبْ، فَانْطَلقُوا إِلَى صَاحِبهِمْ فَأخْبَرُوهُ فَقَالَ: فَقُولُوا لَهُ: قَدْ أَقمْنَا لَكَ حَقَّكَ الَّذِى يَنْبَغِى لَكَ، فَإِنْ كُنْتَ لشَأنًا وَصِبًا (*) فَقَدْ ذَهَبَ وَصبُكَ، وَإِنْ كُنْتَ وَاصِلًا فَقَدْ نَالَكَ أَنْ تَذْهَبَ إِلَى مَنْ يَصِلُ، وَإِنْ كُنْتَ تَاجِرًا فَقَدْ نَالَكَ أَنْ تَخْرُجَ إِلَى تِجَارَتِكَ، فَقُلْتُ: مَا كُنْت وَاصِلًا وَلَا تَاجِرًا، وَما أَنَا بنَصِبٍ، فَذَهَبُوا إلَيْه فَأَخْبَرُوه، فَقَالَ: إِنَّ لَهُ لَشَأنًا فَسَلُوهُ مَا شَأنهُ؟ فَأَتَوْنِى فَسَألُونِى، فَقُلتُ. لَا، وَاللهِ، إلَّا أنَّ فِى قَرْيَةِ إبْرَاهِيمَ ابْنَ عَمِّى يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِىٌّ وآذَوْهُ قَوْمهُ، وَتَخَوَفْتُ أَنْ يَقْتُلوهُ فَخَرجْتُ لَيْلًا أَشْهَدُ ذَلِكَ، فَذَهبُوا إِلَى صَاحِبِهم، فَأَخْبَرُوهُ بِقَوْلِى، قَالَ: هَلُمَّوا، فَأَتَيْتهُ فَقَصَصْتُ عَلَيْه قِصَّتِى فَقَالَ: تَخَافُ أَنْ يَقْتُلُوهُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ! قَالَ: وَتَعْرِفُ شَبَهَهُ لَوْ تَرَاهُ مُصَوَّرًا؟ قُلْتُ: نَعَم عَهْدِى بِهِ مُنْذُ قَرِيبٍ، فَأرَانِى صُورًا مَغَطَّاةً، فَجَعَلَ يَكْشفُ صُورَةً صُوَرةً ثُمَّ يَقُولُ: أَتْعرِف؟ فَأَقُولُ: لَا، حَتَّى كَشَفَ صُورَةً مُغَطَّاةً، فَقُلتُ: مَا رَأَيْتُ شِيْئًا أَشْبَهَ بِشَئٍ مِنْ هَذه الصُّورَةِ بِهِ، كَأَنَّه طُولهُ، وَجِسْمُهُ، وبُعدُ مَا بَيْنِ مَنْكَبَيْهِ، قَالَ: فَيُخَاف أَنْ يَقْتُلوهُ؟ قُلْت: أَظُنُّهُم قَد فَرغُوا مِنْهُ، قَالَ: وَاللهِ! لَا يَقْتُلُونَهُ وَلَيقْتُلَنَّ مَنْ يُرِيدُ قَتْلَهُ، وَإِنَّهُ لَنَبِىٌّ وَلَيُظهِرَنَّهُ اللهُ، وَلَكِن قَدْ وَجَبَ حَقُّكَ عَلَيْنَا، فَامكُثْ مَا بَدَا لَكَ، وادْعُ بِمَا شِئْتَ، فَمَكَثْتُ عنْدهُمْ حينا، ثُمَّ قُلْتُ: لَوْ أُطِعْهم (* *) فَقَدِمْتُ مَكَّةَ فَوَجَدْتهُم قَدْ أَخْرجُوا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إلَى الْمَدِينَةِ، فَلَمَّا قَدِمْتُ قَامَت إِلَى قُرَيْشٌ، فَقَالُوا: قَدْ تَبيَّنَ لَنَا أَمْرُكَ وَعَرَفنَا شَأَنْكَ، فهلُمَّ أَمْوَالَ الصِّبْيَةِ الَّتِى عِنْدَكَ اسْتَوْدَعَكَهَا أَبُوكَ، فَقُلْتُ: مَا كُنْت لأَفْعَلَ هَذَا حَتَّى تُفَرِّقُوا بَيْنَ رَأسِى وَجَسدِى، وَلَكِنْ دَعُونِى أَذْهَبُ فَأَدْفَعَهَا إِلَيْهِم، فَقَالُوا: إِنَّ عَلَيْكَ عَهْدَ الله وَمِيثَاقَهُ أَنْ لَا تَأكُلَ مِنْ طَعَامِهِ، فَقَدِمْتُ الْمَدِينَةَ، وَقَدْ بلَغَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -


(*) وصبًا: الوصَب - بفتح الصاد -: المرض، وقد وصب يوصب بوزن علم يعلم؛ فهو وَصِبٌ - بكسر الصاد - وأوصبه الله "فهو موَصَبٌ" المختار ٥٧٤ ب.
(* *) القاعدة: لو أطيعهم، أطعتهم. كما في الكنز.

<<  <  ج: ص:  >  >>