فَلَيسَ مَوْطِنٌ أَشْهَدُهُ إِلَّا وَأَنْصَرِفُ، وَإِنِّى أَرَى فِى نَفْسِى أَنِّى مُوضِعٌ فِى غَيْرِ شَئٍ وَأَنَّ مُحَمَّدًا سَيَظْهَرُ، فَلَمَّا خَرَجَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إِلَى الْحُدَيْبِيَةِ خَرَجْتُ فِى خيل الْمُشْرِكِينَ، فَلَقِيتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي أَصْحَابِهِ بُعسْفَانَ، فَقُمْتُ بِإِزَائِهِ، وَتَعَرَّضْتُ لَهُ، فَصَلَّى بأَصْحَابِهِ الظُّهْرَ إمامًا فَهَمَمْنَا أَنْ نُغِيرَ عَلَيْهِ ثُمَّ لَمْ يُعْزَمْ لَنَا، وَكَانَتْ فِيهِ خِيرَةٌ، فَأُطْلِعَ عَلَى مَا فِى أنْفُسَنا مِنَ الْهُمُومِ بِهِ، فَصَلَّى بِأَصْحَابِهِ الْعَصْرَ صَلَاةَ الْخَوْفِ، فَوَقَعَ ذَلِكَ مِنّى مَوْقِعًا، وَقُلْتُ: الرَّجُلُ مَمْنُوعٌ، وافْتَرَقْنَا، وَعَدَلَ عَنْ سَنَنِ خَيْلِنَا وَأَخَذَ ذَاتَ الْيَمِينِ، فَلَمَّا صَالَحَ قُرَيْشًا بِالْحُدَيْبِيَةِ ودافعته قُرَيْشٌ بِالْبَرَاحِ قُلْتُ فِى نَفْسِى: أَىُّ شَيءٍ بَقِى؟ أَى الْمَذْهَب إِلَى النَّجَاشِىِّ فَقَدِ أَتَّبع مُحَمَّدًا وَأَصْحَابُهُ آمِنُونَ عِنْدَهُ، فَأَخْرُجُ إِلَى هِرَقْلَ فَأَخْرُجُ مِنْ دِينِى إِلَى نَصْرَانِيَّةٍ، أَوْ يَهُودِيَّةٍ فَأُقِيمُ مَعَ عَجَمِهَا أَوْ أُقِيمُ فِى دَارِى فمَنْ بَقِىَ، فَأنَا عَلَى ذَلِكَ إِذْ دَخَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِى عُمْرَةِ الْقَضِيَّةِ وَتَغَيَّبْتُ، فَلَمْ أَشْهَدْ دُخُولَهُ، وَكَانَ أَخِى الْوَلِيدُ بْنُ الْوَلِيدِ قَدْ دَخَلَ مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فِى عُمْرَةِ القَضِيَّةِ، فَطَلَبَنِى فَلَمْ يَجِدْنِى، فَكَتب إِلَىَّ كِتَابًا فَإِذَا فِيهِ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، أَمَّا بَعْدُ: فَإِنِّى لَمْ أَرَ أَعْجَبَ مِنْ ذَهَابِ رَأيِكَ عَنِ الإِسْلَامِ، وَعَقْلُكَ عَقْلُكَ، وَمِثْلُ الإِسْلَامِ جَهِلَهُ أَحَدٌ؟ ! وَقَدْ سَأَلَنِى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: أيْنَ خَالِدٌ؟ فَقُلْتُ: يَأتِى الله بِهِ، فَقَالَ: مَا مِثْلُ خَالِدٍ جَهِلَ لِلإِسْلَامِ، وَلَوْ كَاتَبْتَهُ وَجَدْتهُ مَعَ الْمُسْلِمِين عَلَى الْمُشْرِكِينَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَلَقَدَّمْنَاهُ عَلَى غَيْرِهِ، فَاسْتَدْرِكْ يَا أَخِى مَا فَاتَك مِنْهُ، فَقَدْ فَاتَكَ مِنْهُ مَوَاطِنُ صَالِحةٌ، فَلَمَّا جَاءنِى كِتَاُبهُ نَشِطْتُ لِلْخُرُوجِ وَزادَنِى رَغْبةً فِى الإِسْلَامِ وَسَرَّنِى مَقَالَةُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَرَى فِى النَّوْمِ أَنَّى فِى بِلَادٍ ضَيِّقَة جَدْبَةٍ، فَخَرَجْتُ إِلَى بَلَدٍ أخْضَرَ وَاسِعٍ فَقُلْتُ. إِنَّ هَذِهِ لرُؤْيَا، فَلَمَّا قَدِمْتُ المَدينَةَ قُلْتُ: لأَذْكُرَنَّهَا لأَبِى بَكْرٍ، فَذَكَرْتُهَا فَقَالَ: هُوَ مَخْرَجُكَ الَّذِى هَدَاكَ اللهُ للإِسْلَامِ، وَالضيَّقُ الَّذِى كُنْتَ فِيهِ الشِّرْكُ، فَلَمَّا أَجْمَعْتُ الْخُرُوجَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قُلْتُ: مَنْ أُصَاحِبُ إِلَى مُحَمَّدٍ؟ فَلَقِيْتُ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا وَهْبٍ! أَمَا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ، إِنَّمَا نَحْنُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute