النَّعْمَةَ وِإنْ دَقَّتْ، لَا يَذُمُّ مِنْهُا شَيْئًا لَا يذمُّ ذَوَّاقًا وَلَا يَمْدحه ولا تُغضبه الدنيا ولا مَا كان لَها، فإذا تعوطِى الَحق لَمْ يَعرفْه أحَد وَلَمْ يَقُمْ لِغَضَبِه شَىْءٌ حَتَى يَنْتَصِرَ لَهُ، لَا يَغْضَبُ لنَفْسِهِ وَلَا يَنْتَصِرُ لَهَا، إِذَا أَشَارَ أشَارَ بِيَدِهِ كُلِّها، وإذا تَعَجَّبَ قَلَّبَهَا، وَإذَا تَحَدَّثَ اتّصَلَ بِهَا فَضَرَبَ بِباطِنِ اليُمْنَى بَاطِنَ إِبْهامِهِ اليُسْرَى، وَإذَا غَضِبَ أعْرَضَ وَأشَاحَ، وَإذَا ضَحِكَ غَضَّ طَرْفَهُ، جُلُّ ضَحكِهِ التَّبَسُّم، وَيفْتَرُّ عَنْ مِثْلِ حَبِّ الغَمَام، كانَ إذَا أوَى إلى مَنْزِلِهِ جَزَّأ نَفْسَهُ ثَلَاتَةَ أجْزَاءٍ: جُزْء لله، وَجُزْء لأهْلِهِ، وَجُزْءٌ لِنَفْسِهِ، ثُمَّ جزأ جزَأه بينه وبين الناس ذلك على العامة والخاصة، فلا يتحر عنهم شيئا، فكان من سيرته في جزء الأمة إيثار أهل الفضلِ بإذنِه، وقُسمه على قدرِ فَضلِهم في الدينِ، فمنهم ذو الحاجةِ، ومنهم ذو الحاجتين، ومنهم ذوو الحوائج فيتشاغلُ بهم فيما أصلحهم والأمة من مسألته عنهم وَإخبارهم بالذى يَنبغى لهم ويقول لِيبلِّغ الشَاهدُ منِكم الغَائِب، وأبلغونِى مَنْ لَا يستطيع إبلاغها إياى فإنه من أبلغ سلطانا حاجة من لا يستطيع إبلاغها إياه ثبَّتَ الله قدميه يوم القيامة لا يذكر عنده إلا ذَلك، ولا يقبَل مِن أحِد غيره يدخلونَ عليه رُوَّاد ولا يَفترقون إلا عَنْ ذَوَاقٍ، وَيَخْرُجُونَ أدِلَّةً كمَا يَخْزُنُ لِسَانَهُ إلا مِمَّا يَعْنِيهِمْ وَيُؤَلّفُهُمْ وَلَا يُفَرِّقُهُمْ، ويكرم كرِيم كلِّ قَوْمٍ ويُولِّيهِ عَلَيْهِمْ، ويحذَرُ النَّاسَ وَيَحْتَرسُ مِنْهُمْ مِنْ غَيْر أَنْ يَطوِىَ عَنْ أَحَد مِنْهُمْ بِشْرَهُ وَلَا خُلقهُ، مُتَفَقِّدًا أصْحَابَهُ، وَيَسْأَلُ النَّاسَ عَمَّا في النَّاسِ، وَيُحَسِّنُ الحَسَنَ وَيُقَوِّيهِ، وَيقبحُّ القَبِيحَ ويُوهنه، مُعْتَدل الأمْرِ غَيْر مُخَتلف، لَا يَغْفَلُ مَخَافَةَ أنْ يَغْفلُوا أَو يَمَلُّوا، لِكُلِ حَالٍ عِنْدَهُ عتاد لَا يَقصُرُ عَن الَحق وَلَا يجُوزُهُ الَّذِينَ يَلُونَهُ مِن النَّاس، خِيَارُهُمْ أفْضلهُمْ عِنْدَهُ أعَمُهُمْ نَصِيحَةً، وَأعْظَمُهُمْ مَنْزِلَةً أَحْسَنُهُمْ مُوَاسَاة وَمُؤازَرَةً، كانَ لَا يَجْلِسُ وَلَا يَقُومُ إلَّا عَلَى ذِكْرٍ، لَا يُوَطِّنُ الأماكنَ وَيَنْهَى عَنْ إيطَانِهَا، وَإذَا انْتَهَى جَلَسَ حَيْثُ يَنْتَهِى بِهِ الَمْجلِسُ، وَيَأمُرُ بِذَلِكَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute