للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَيُعْطِى كلَّ جُلَسَائِهِ نَصيبَه لَا يَحْسبُ جَلِيسُهُ أن أحَدًا أكْرَمُ عَلَيْهِ مِنْهُ، مَنْ جَالَسَهُ أوْ قَاوَمَهُ في حَاجَة صَابَرَه حتى يَكُونَ هُو المنْصَرِفُ، وَمَنْ سَألَه حَاجَةً لَمْ يَرُدَّهُ إِلَّا بِهَا أوْ بميْسُورٍ مِنْ القَوْلِ، قَدْ وَسِعَ الناس مِنْهُ بَسْطُهُ وَخُلقهُ فَصَارَ لَهُمْ أبا وَصَارُوا عِنْدَهُ في الَحقِّ سَوَاءً، مَجْلِسُه مَجْلِس حِلِمٍ وَحَيَاءٍ، وَصَبْر وأمَانَةٍ، لَا تُرْفَعُ الأصْوَاتُ، (ترن) (*) فيه الحُرمُ، وَلَا تُثْنَى (فَلَتأتُهُ مُتَعَادِلِين) (* *) يتفاضَلُونَ فِيهِ بِالتَقْوى مُتَوَاضِعِينَ، يُوَقِّرُونَ الكَبِيرَ، وَيَرْحَمُونَ الصَّغِيرَ، ويُؤْثِرُونَ ذَوِى الحَاجَةِ، وَيَحْفَظُونَ الغَرِيبَ؛ كَانَ دَائِمَ البِشْرِ، سَهْلَ الخُلُقِ، ليِّنَ الجَانِبِ، لَيْسَ بِفَظٍ وَلَا غَلِيظٍ، وَلَا صَخَّابٍ وَلَا فَحَّاشٍ، وَلَا عَيَّاب ولا مَزاحٍ، يَتَغَافل عَمَّا لَا يَشْتَهِى وَلَا يُؤْنُس مِنْهُ وَلَا يُحِببِ فِيهِ قَدْ تَرَكَ نَفْسَه مِنْ ثَلَاثٍ: المراء، والإكثارِ، وَمَا لَا يَعْنِيهِ، وتركَ نفسه مِنْ ثَلَاثٍ: كان لَا يَذُمُّ أحَدًا ولا يُعَيرُهُ وَلَا يَطلُبُ عَوْرَتَهُ، وَلَا يَتكَلمُ إِلَّا فيما رجى ثَوَاُبهُ، إِذَا تَكَلمَ أطرَقَ جُلَسَاؤُهُ كأنَمَا عَلَى رُؤوسِهِمْ الطَّيْرُ، وَإذَا سَكَتَ تَكَلمُوا، وَلَا يَتَنَازَعُونَ عِنْدَهُ، مَنْ تَكَلَّمَ أنْصَتُوا لَهُ حَتَّى يَفرُغَ. حَدِيثُهُمْ عِنْدَه حَدِيثُ أوَّلهم، يَضْحَكُ مِمَّا يَضْحَكُونَ مِنْهُ، وَيتَعجَّبُ مِمَّا يَتَعَجَبَّونَ مِنْهُ، وَيَصْبِرُ لِلغَريبِ عَلَى الجَفْوَةِ في مَنْطِقِهِ وَمَسْكَتِهِ حَتَى إِنْ كَانَ أصْحَاُبهُ لَيَسْتَجْلِبونَهُمْ وَيَقُولُ: إِذَا رَأيْتُمْ طَالِبَ الحَاجَةِ يَطلُبُهَا فَأرْشِدُوهُ، وَلَا يَقْبَلُ الثناءَ إِلَّا مِنْ مُكَافِئٍ، وَلَا يَقطَعُ عَلَى أحَدٍ حَدِيثَهُ حَتَى يَجُوزَهُ فَيَقْطَعُهُ بنهى أَوْ قِيَامٍ، كَانَ سُكُوتُهُ عَلَى أرْبَعٍ: عَلى الحِلم، والحَذَرِ، وَالتَّقْدِيرِ، وَالتَّفكرِ، فَأمَّا تَقْدِيرهُ فَفِى تَسْويتَهِ النَظَر وَاسْتِمَاع مَا بَيْنَ الناسِ، وَأما تَفَكُّرُهُ فَفِيمَا يَبْقَى وَيفنى، وَجُمِعَ لَهُ الحِلمُ والصَّبْرُ فَكان لا يوصيه ولا يستفزه وَجُمِعَ لَهُ الحَذَرُ على أرْبع: أخْذه بِالحُسْنَى ليُقتَدَى


(*) كذا في الأصل وصحتها (لا تؤبن).
(* *) كذا في الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>