تضمن هذه الآية الحض على بر الوالدين. وقد جاء في ذلك من الأحاديث ما لا يحصى ولا ينبغي أن يخصص شيء من الآيات بنوع من البر دون نوع إلا أن يؤتى به على جهة المثال, وقد قال مجاهد في قوله تعالى:{فلا تقل لهما أف} معناه إذا رأيت منهما في حال الشيخوخة الغائط والبول فلا تعزرهما وتقل لهما أف. ولو لم يكن من الآية إلا قوله تعالى:{فلا تقل لهما أف} لاكتفى بذلك في الحض على بر الوالدين لأنه تعالى لئن كان قد نهى في ذلك عن القليل فبالضرورة يكون ما فوقه من الضرب والشتم أحرى بالنهي عنه، وهذا من إلحاق المسكوت عنه بالمنطوق به على القطع، وقد يسمى هذا بفحوى اللفظ، وقد يسمى بمفهوم الموافقة. وقد اختلف الأصوليون في تسمية هذا قياسًا، والأظهر أن لا يسمى بذلك. وقد اختلف فيمن كان بينه وبين أبيه خصومة فأراد أن يحلفه. فقيل يحلفه ولا يكون بذلك عاقًا، وهو قول مالك وقول ابن الماجشون وظاهر قول ابن القاسم وأصبغ. وقيل يحلفه ويحده في حق يقع له عليه، ويكون عاقًا بذلك ولا يعذر فيه بجهل، وهي رواية أصبغ عن ابن القاسم.
وقيل لا يمكن من أن يحلفه ولا من أن يحده لأنه من العقوق، وهو مشهور مذهب مالك، وهو أظهر الأقوال لقوله تعالى:{ولا تنهرهما وقل لهما قولًا كريمًا}، ولما جاء من أنه عليه الصلاة والسلام قال:((ما بر والديه من شدد النظر إليهما أو إلى أحدهما)). وقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((لا يمن للولد على والده وللمملوك على سيده))،