حرم الله تعالى في هذه الآية الدم جملة من غير تقييد، وقيد ذلك في سورة الأنعام فقال تعالى:{أو دمًا مسفوحًا}[الأنعام: ١٤٥] فيووجب رد المطلق على المقيد على أصح الأقوال، وقد قال ابن شعبان:{أو دمًا مسفوحًا} ناسخ لقوله تعالى: {حرمت عليكم الميتة والدم}، وهذا قول من يرى بين المطلق والمقيد تعارضًا، ويجعله كالعام والخاص، ويراه نسخًا. وهو قول ضعيف. ومع هذا فإنه غلط لأن سورة الأنعام مكية، وسورة المائدة التي جاء فيها أيضًا {حرمت عليكم الميتة والدم} الآية [المائدة: ٥] مدنيتان. ولا خلاف أنه لا تنسخ آية مدنية بآية مكية. ويحتمل لأن الله تعالى قيد الدم بالسفح لما في تتبع ما في العروق خلال اللحم من المشقة، ويحتمل أن الله تعالى قيده بذلك ليخرج منه الكبد والطحال، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم:((أحلت لنا ميتتان ودمان الكبد والطحال)) وقد اختلف قول مالك في الدم اليسير، والذي هو غير مسفوح، فقال مرة: الدم كله نجس، وسوى بين الدماء كلها، وقال مرة: لا تعاد الصلاة من الدم اليسير، وقد قال تعالى:{أو دمًا مسفوحًا}[الأنعام: ١٤٥] وإذا قلنا يعفى عن اليسير فهل يسير دم الحيض مثل اليسير من غيره أم لا، ففيه روايتان. واختلف في حد اليسير الذي يعفى عنه اختلافًا كثيرًا من قدر الظفر إلى نصف الثوب. واختلف أيضًا إذا غسل الدم وبقي أثره، فرخصت فيه عائشة، وشدد فيه الكراهية ابن عمر حتى أنه كان إذا وجد دمًا فغسله فلم يخرج دعا بجملين فقطع مكانه. وقال محمد بن مسلمة: المحرم المسفوح قال: وقد جاء عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: لولا