الناس: إن هذه المسألة مبنية على أن العقل ما خلا من سمع أو يجوز أن يكون خلا منه، وهي مسألة خلاف بين الأصوليين. واحتج من يقول: إنه ما خلا من سمع بقوله تعالى: {تكاد تميز من الغيظ كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير * قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء إن أنتم إلا في ضلال كبير}[الملك: ٨، ٩]، وبقوله تعالى:{وما كنا معذبين حتى نبعث رسولًا}[الإسراء: ١٥]، ومن ينكر القول بالعموم لا يسلم هذا الاستدلال وهذا البناء الذي بناه به الأصوليين بعيد؛ لأن قصارى ما فيه أنه ليس في الأرض أمة إلا وقد بلغها دعوة رسول ما، وقد يكون عند هؤلاء في الأرض قوم لم يعلموا ظهور النبي صلى الله عليه وسلم ونبوته، ويظنون أنه طالب ملك، فتجب دعوتهم. وقد اختلف الناس فيمن قاتل ولم يؤمر بقتاله إلا بعد دعوته فقتله فهل عليه ديته أم لا؟ فمذهب مالك وأبي حنيفة أن لا دية عليه. ومذهب الشافعي: الدية عليه. والحجة لمالك أن الله تعالى قد أمر بالتبين ولا معنى للدعوة عند التبيين، ولم يوجب على من قتل دون التبيين شيئًا ولم فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء، فوجب التوقف عن ذلك.
[(٩٤) - قوله تعالى:{كذلك كنتم من قبل}]
اختلف في تأويله، فقيل: المعنى كذلك كنتم مستخفين من قومكم بإسلامكم خائفين، فمن الله تعالى بإعزازه وإظهار دينكم. وقيل: المعنى كنتم كفارًا من قبل، فمن الله عليكم بأن أسلمتم. وقيل: المعنى كنتم كفارًا من قبل، فمن الله عليكم بأن أسلمتم. وقيل: يحتمل أن يكون الإشارة بذلك إلى القتل قبل التثبت، أي على هذه الحال كنتم في جهالة لا تتثبتون.