للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بذلك معنى الأمر، وأن مضمنه النهي عن القبلة الأخرى، ويكون هذا من النسخ مثل قولهم: إن آية المواريث نسخت الوصية للوالدين والأقربين، وإن شهر رمضان نسخ صوم يوم عاشوراء ونحو ذلك. ويحتمل أن يكونوا رأوا هذا ناسخًا حملًا للأمر بالشيء على أنه نهى عن ضده إذا كانت القبلتان لا يصح أن يجمع بينهما في صلاة واحدة. فهما كالمتضادين فعلى هذا ترتب النسخ. وإن جعلنا قوله تعالى: {وما أنت بتابع قبلتهم} خبرًا بمعنى النهي، فيكون معناه ولا تتبع قبلتهم أي لا تصل إليها يعني بيت المقدس إذا كانت قبلة لليهود، فيكون هذا نسخًا بينًا. وفي هذا كله نظر. ولا خلاف أن الكعبة قبلة من كل أفق وهو نص الآية.

(١٤٨) - وقوله تعالى بعد هذا: {ولكل وجهة هو موليها} [البقرة: ١٤٨].

قال أبو الحسن: يفيد أن لكل قوم من المسلمين من أهل سائر الآفاق وجهة إلى جهات الكعبة، وراءها وقدامها، وعن يمينها وشمالها، كأنه أفاد أنه ليس جهة من جهاتها أولى بأن تكون قبلة من غيرها. وفيها أقوال غير هذا, وروي أن عبد الله بن عمر قال: إنما وُجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمته حيال ميزاب الكعبة، وهو قول لا يصح، إلا على تأويل. وقد قال ابن عباس وغيره: بل وُجه إلى البيت كله. ويحتمل قول ابن عمر على أن من كان يؤمن بالنبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الوقت من أهل البلاد والأصقاع إنما كانوا من ناحية ميزاب الكعبة، وهي قبلة المدينة والشام وإلى هناك قبلة أهل الأندلس.

وقد اختلف في الصلاة داخل الكعبة فأجازها الشافعي جملة ومنعها ابن جرير جملة، ومنعها مالك في الفرض والسنة وأجازها في النفل.

واختلف المانعون للصلاة فيها هل تجزئ من صلى الفرض فيها صلاته أم لا؟ فقيل: تجزئ، وقيل: يعيد أبدًا، والثلاثة

<<  <  ج: ص:  >  >>