(١٣٠) - قوله تعالى:{ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه}[البقرة: ١٣٠].
قال أبو الحسن: يدل على لزوم اتباع شرائع إبراهيم ما لم يثبت نسخ. وهو ال ١ ي قاله غيره، ويقوي حجة من ذهب إلى هذا قوله تعالى:{ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفًا}[النحل: ١٢٣] وهذه المسألة قد اختلف فيها اختلافًا كثيرًا. هل كان النبي صلى الله عليه وسلم بعد بحثه متعبدًا بشريعة من قبله أم لا؟ والذين ذهبوا إلى أنه كان متعبدًا اختلفوا في الشريعة التي كان متعبدًا بها، فقال قوم: شريعة إبراهيم واحتجوا بما تقدم.
وقال قوم: شريعة نوح واحتجوا بقوله تعالى: {شرع لكم من الدين ما وصى به نوحًا}[الشورى: ١٣] وقال قوم: شريعة موسى -عليه السلام- واحتجوا بقوله تعالى:{إنا أنزلنا التوراة فيها هذى ونور} الآية [المائدة: ٤٤]. وقال قوم: شريعة عيسى لأنها آخر الشرائع. والمختار أنه لم يتعبد صلى الله عليه وسلم بشريعة، للإجماع أن هذه الشريعة ناسخة، والآيات التي ذكروها متعارضة، فسقط الاحتجاج بها. وأيضًا فإن ما فيها من المعاني يحتمل أن يجتمع على معنى واحد، وهو ما اتفق عليه الأنبياء من التوحيد، ولذلك قال النبي -عليه السلام-: ((أمهاتهم شتى ودينهم واحد)) يعني الأنبياء -عليهم السلام-. وكذلك قوله تعالى:{فبهداهم اقتده}[الأنعام: ٩٠] أراد به ذلك المعنى. وبهذا يبطل الاحتجاج بهذه الآية على أنه كان متعبدًا بشريعة من قبله، وكذلك اختلفوا هل كان قبل مبعثه متعبدًا بشريعة من قبله؟ فمن قال: كان متعبدًا [بشريعة] اختلفوا كالاختلاف المتقدم، وكل ذلك في العقل جائز، فالواقع منه غير معلوم قطعًا، بترجيح الظن لاى يتعلق به تعبد عملي لا معنى له.