وإذا ثبت هذا فلا بد أن يحرم بالحج في شهوره، ولأن النبي -عليه السلام- كذلك فعل ولأن فائدة التوقيت منع تجاوزها، والتقدم عليها، فإذا أحرم قبلها لزم ولم يتقلب إحرامه للعمرة هذا قول مالك، وقاله أبو حنيفة خلافًا للشافعي، وابن حنبل، والأوزاعي، في قولهم إنه يصير محرمًا بالعمرة ولا يلزمه الحج، وحكي عن داود أن إحرامه يبطل جملة. وحجة من قال القول الأول أنه لو انعقد إحرامه بالحج في غير أشهره لم يكن لتخصيصها فائدة. وحجة القول الأول أن ذكر الله تعالى في الحج الأشهر المعلومات، إنما معناه عندهم على التوسعة والرفق بالناس والإعلام بالوقت الذي فيه يبادر بالحج، وبين ذلك -عليه السلام-، فمن صبر على نفسه وأحرم قبل أشهر الحج لزمه وهو بمعنى من أحرم بالحج من بلده قبل الميقات، ويعضد هذا القول قوله تعالى:{ولا تبطلوا أعمالكم}[محمد: ٣٣]{وأتموا الحج والعمرة لله}[البقرة: ١٩٦] قال ابن القصار: ولا يمتنع أن يجعل الله الشهور كلها وقتًا للإحرام فيها، ويجعل شهور الحج وقتًا للاختيار، وهذا سائغ في الشريعة.
واستدل أيضًا أهل المذهب على قول مالك وأصحابه بقوله تعالى:{يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج}[البقرة: ١٨٩] قال: وليس يخل أن يكون أراد القسمة، وإن نصف الشهور للحج، ونصفها لسائر المعاملات وذلك ليس بقول لأحد أن يكون أراد الاشتراط فذلك ما نقوله:
(١٩٧) - وقوله تعالى:{فمن فرض فيهم الحج}[البقرة: ١٩٧].
معناه ألزمه نفسه، واختلف العلماء في تأويله. فقال ابن عباس،