وقوله تعالى:{ثم محلها} معناه ثم أخر هذا كله إلى طواف الإفاضة بالبيت العتيق. فالبيت على هذا التأويل مراد بنفسه فاقتضى هذا أن الحاج بعد هذا الطواف قد حل له كل شيء من ممنوعات الحج. وقد اختلف فيما أبيح للحاج بعد رمي جمرة العقبة قبل طواف الإفاضة. فقال الشعبي وأبو حنيفة يحل له كل شيء إلا النساء. وقال إسحاق في أحد قوليه يحل له كل شيء إلا النساء والصيد. وقال مالك يحل له كل شيء إلا النساء والصيد والطيب، وهذا أليق بظاهر الآية لأنها تقتضي أن الذي يتم به الحج الطواف وتلك الأشياء لا تجوز قبل تمام الحج فينبغي أن لا تحل إلا بعد الطواف. واحتج مالك رحمه الله تعالى في الموطأ بهذه الآية على صحة قول عمر رضي الله تعالى عنه في طواف الوداع: لا يصدرن أحد من الحاج حتى يطوف بالبيت فإن آخر النسك الطواف بالبيت. قال القاضي أبو إسحاق وقوله تعالى:{ثم محلها إلى البيت العتيق} فإذا طاف الحاج بعد هذه المشاعر فقد حل بالبيت. قال الباجي: وهذا الذي قاله يحتاج إلى تأمل لأنه يحتمل أن يريد به حل من الإحلال، ويحتمل أن يريد حل من الحلول وهو الوصول. وظاهر اللفظ إنما يقتضي أن الشعائر تنتهي إلى البيت العتيق، إما أن يكون الطواف به أحد الشعائر وإما أن يكون نهايتها وتمامها فثبت بهذا أن طواف الوداع مستحب خلافًا لأبي حنيفة أنه واجب.
[(٣٦) - قوله تعالى:{والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير ... } إلى قوله تعالى: {كذلك سخرها لكم}]
اختلف في البدن ما هي، فقيل هي ما أشعر من إبل وبقر، قاله عطاء وغيره، سميت بذلك لأنها تبدن أي تسمن. وقيل بل هذا اسم خاص بالإبل ولا تكون البدن إلا منها وهو قول مالك، وهو أظهر لأن عرف هذا اللفظ