صحة ذلك أنه لا يكون كذبًا لأنه أخبر عما عنده فكأنه قال عندي إني لبثت يومًا أو بعض يوم وقد كان لبث مئة عام. ومثله قول أصحاب الكهف {لبثنا يومًا أو بعض يوم}[الكهف: ١٩] وكانوا لبثوا ثلاثمائة ةتسع سنين ولم يكونوا كاذبين لأنهم أخبروا عما عندهم. ومثله قوله -عليه السلام- في قصة ذي اليدين ((كل ذلك لم يكن)) وفي الناس من يقول إنه كذب على حد حقيقة الكذب لكنه لا مؤاخذة فيه فعلى هذا يجوز أن يقال الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- لا يعصمون عن الإخبار عن الشيء خلاف ما هو عليه إذا لم يكن عن قصد، كما لا يعصمون عن السهو والنسيان. وهذا على قول الأشعرية، والأول على قول المعتزلة فإن عندهم ليس بكذب لأنهم يشترطون في حد الكذب أنه الإخبار عن الشيء على ما ليس هو به عن عمد وقصد إليه، ودليل قوله -عليه السلام-: ((من تعمد على كذبًا فليتبوأ مقعده من النار)) يرد عليهم لأنه يدل على أن ما لم يتعمد يقع عليه اسم الكذب.
(٢٦٧) - قوله تعالى:{يا أيها الذين آموا أفقوا من طيبات ما كسبتم} الآية [البقرة: ٢٦٧].
اختلف المتأولون هل المراد بهذا الإنفاق الزكاة المفروضة [أو التطوع فقال علي بن أبي طالب وغيره: هي الزكاة المفروضة]. ونهى الناس عن إنفاق الرديء فيها بدلًا عن الجيد. وأما التطوع فكما أن للمرء ألا يتطوع بقليل، فكذلك له أن يتطوع بنزر في القدر ودرهم زائف خير من تمرة، فالأمر على هذا القول فإنه الزكاة المفروضة على الوجوب. وأما البراء بن عازب [وقتادة] والحسن بن أبي الحسن، فظاهر أقوالهم أن الآية