وأنه ليس في الواقعة حكم معين يطلب بالظن بل الحكم يتعين بالظن. وإليه ذهب القاضي. وذهب قوم إلى أن كل مجتهد مصيب إلا أنهم رأوا في النازلة المحكوم فيها حكمًا معينًا يتوجه إليه الطلب إذ لا بد للطلب من مطلوب، لكن لم يكلف المجتهد إصابته فبذلك كان مصيبًا وإن أخطأ ذلك الحكم المعين، بمعنى أنه أدى ما كلف وأصاب ما عليه. وذهب قوم إلى أن المصيب واحد وأن الواقعة حكمًا معينًا. واختلف الذين ذهبوا إلى هذا القول بعد ذلك في الدليل على ذلك الحكم اختلافًا كثيرًا ليس هذا بموضع ذكره، ومن أبين ما يحتجون به هذه الآية لأنه تعالى قال:{ففهمناها سليمان}، قالوا يدل على اختصاص سليمان بإدراك الحق وأن الحق واحد. فأجابت المصوبة عن هذا بأجوبة لا يتبين الانفصال بها منها، وإن قال بل الآية على نقيض مذهبكم أدل لأنه تعالى قال:{وكلا آتينا حكمًا وعلمًا}، والباطل والخطأ لا يكون حكمًا. ومن قضى بخلاف حكم الله تعالى لا يوصف بأنه حكم الله سبحانه وأنه الحكم والعلم الذي أنزل الله عز وجل لا سيما في معرض المدح والثناء. فإن قيل فما معنى قوله تعالى:{ففهمناها سليمان} فالجواب عن ذلك من وجهين: أحدهما: أن يقال لا يلزمنا ذكر ذلك بعد أن أبطلنا نسبة الخطأ إلى داود. والثاني أن يقال معناه أنه فهم الحكم الذي هو أرجح في النازلة. ومنها أنه يحتمل أنهما كانا مأذونًا لهما في الحكم باجتهادهما فحكما وهما محقان. ثم نزل الوحي على وفق اجتهاد سليمان، فصار حكم ذلك حقًا متعينًا بنزول الوحي على سليمان بخلافها لكن لنزوله على سليمان أضيف إليه. ويتعين تنزيل ذلك على الوحي إذ قد نقل المفسرون أن سليمان حكم بأن تسلم الماشية إلى صاحب الزرع حتى ينتفع بدرها ونسلها وصوفها حولًا كاملًا. وهذا إنما يكون حقًا