وأن القادم فيها له النزول حيث وجد وعلى رب المنزل أن يؤويه شاء أو أبى، وعلى هذا كان الأمر في الصدر الأول، قاله ابن باسط وكانت دورهم بغير أبواب حتى كثرت السرقة فاتخذ رجل منهم بابًا فأنكر عليه عمر وقال: أتغلق بابًا في وجه حاج بيت الله؟ فقال: أنما أردت حفظ متاعهم من السرقة، فتركه فاتخذ الناس أبوابًا. وقال علقمة بن ثعلبة: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وما تدعي رباع مكة إلا السوائب من احتاج سكن ومن استغنى لم يسكن، وحجة هذا القول ظاهر الآية. وقال الجمهور -منهم مالك وغيره- ليس ذلك كالمسجد الحرام، ولأهلها الامتناع بها والاستبداد، وعلى هذا العمل اليوم. ورجح هذا القول إسماعيل القاضي وقال: لم تزل الدور لأهل مكة غير أن المواساة تجب إذا كانت الضرورة. ولعل عمر رضي الله تعالى عنه فعل ذلك على هذا الطريق. وهذا الخلاف متركب على الخلاف في فتح مكة هل كان عنوة أم غير عنوة؟ فذهب مالك وأبو حنيفة والثوري إلى أنه كان عنوة. وذهب الشافعي وغيره إلى أنه كان أمانًا والأمان كالصلح. والذين ذهبوا إلى أنه عنوة اختلفوا فقال بعضهم: من على أهلها بها فلم تقسم ولا يسبى أهلها لما عظم الله تعالى من حرمتها. وقال بعضهم إنما أقرت للمسلمين وهذا الخلاف في مذهب مالك، وعلى هذا يأتي الخلاف في بيع دور مكة وكرائها. فمن رأى فتحها عنوة وأنها أقرت للمسلمين لم يجز شيئًا من ذلك ومنعه. وعلى هذا يأتي قول عمر رضي الله تعالى عنه ومن تابعه، وهو أحد أقوال مالك رحمه الله تعالى. ومن رأى أنها مؤمنة أو فتحت عنوة إلا أنها من بها على أهلها أجاز ذلك كله، وهو ظاهر مذهب ابن القاسم وأحد أقوال مالك. وعن مالك في المسألة قولان