الغيوب لا يحتاج إلى الاختبار. وقولهم العزم هو الواجب محال لأن العزم على ما ليس بواجب لا يجب.
والثالث: أنه لم ينسخ الأمر لكن قلب الله عنقه نحاسًا أو حديدًا فلم ينقطع، فانقطع التكليف بالتعذر. وهذا لا يصح على أصولهم لأن الأمر بالشرط لا يثبت عندهم بل إذا علم الله تعالى أنه انقلب عنقه حديدًا فكيف يكون أمرًا بما يعلم امتناعه.
والرابع: أن المأمور به إنما هو الاضجاع والتل للجبين وإمرار السكين دون حقيقة الذبح. وهذا محال إذ لا يسمى ذلك ذبحًا ولا هو بلاء ولا يحتاج إلى فداء بعد الامتثال.
والخامس: جحود النسخ وأنه ذبح امتثالًا فالتأم واندمل. والذاهبون إلى هذا التأويل اتفقوا على أن إسماعيل أو إسحاق على الخلاف في ذلك ليس بمذبوح. واختلفوا في كون إبراهيم ذابحًا. فقال قوم هو ذابح للقطع والولد غير مذبوح لحصول الالتئام. وقال قوم لم يكن ذابحًا، لأن ذابح لا مذبوح له محال. وهذا القول أيضًا محال لأن الفداء كيف يحتاج إليه بعد الالتئام ولو صح ذلك لاشتهر، ولم ينقل ذلك قط وإنما هو من اختراع القدرية. فإن قيل أليس قد قال:{قد صدقت الرؤيا} فالتصديق غير التحقيق والعمل. ولأهل السنة مما يحتجون به في مذهبهم غير هذه الآية. من ذلك ما جاء من فرض الصلاة أنها خمسين ثم نقلت إلى خمس قبل أن يعمل بها. ومنها قوله تعالى:{إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة}[المجادلة: ١٢] ثم قال: {فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم}[المجادلة: ١٣] فنسخ قبل الفعل. ومنها قوله تعالى:{الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفًا}[الأنفال: ٦٦] فنسخ قبل الفعل. وموضع هذه المسألة إنما هو كتب الأصول لا كتب الفروع. وقد ضعف بعض شيوخنا كلام المعتزلة وأهل السنة في هذه المسألة وزعم أنه لا يدخلها نسخ قبل