فهذا نص في وجوب قتال الفئة الباغية، فلا معنى لقول من رأى القعود عن قتالهما. وقد احتج بعضهم في ذلك أيضًا بقتال أبي بكر رضي الله تعالى عنه مانعي الزكاة. قال: ولو كان ذلك لما أقيم لله تعالى حق ولا أبطل باطل. والكلام في هذه المسألة يتغلغل إلى أكثر من ذلك فلتقف عند هذا على شرطنا في الاختصار. وقال عليه الصلاة والسلام:((حكم الله في الفئة الباغية أن لا يجهز على جريح ولا يطلب هارب ولا يقتل أسير)). وإذا قيل بالنهوض في الفتن ونصر أهل الحق فمع أي طائفة يكون الناهض. أمع السواد الأعظم أو مع علمائهم أو مع من يرى أن الحق معه؟ في ذلك اختلاف. فذهبت جماعة إلى لزوم السواد الأعظم ورأوا أنه الحق الواجب والفرض الثابت وأن من خالفهم فهم الفئة الباغية. وإلى نحو هذا ذهب ابن مسعود، ومن حجتهم أمر النبي صلى الله عليه وسلم بلزوم الجماعة. وذهب قوم إلى لزوم جماعة العلماء، قالوا: وذلك أ، الله تعالى جعلهم حجة على خلقه وإليهم تفزع العامة في دينها وهم تبع لهم وهم المعنيون بقوله:((لن تجتمع أمتي على ضلالة)). والذي يأتي على فرض القول بقتال الفئة الباغية أن يكون الإنسان في الفتنة مع من يرى أن الحق معه، وعليه يدل ظاهر قوله تعالى:{فإن بغت إحداهما على الأخرى} إذ لم يخص كثيرًا من قليل ولا العلماء من غيرهم، فإنما اعتبر في ذلك البغي، فحيث اعتقده الإنسان زال عنه وحيث لم يره كان فيه. واختلف العلماء في أهل مكة إذا بغوا على أهل العدل، فذهب بعض الفقهاء إلى تحريم قتالهم مع بغيهم وأنه يضيق عليهم حتى يرجعوا عن البغي ويدخلوا في أحكام أهل العدل، فاستثنوا أهل مكة من عموم الآية. والذي عليه أكثر الفقهاء أنهم يقاتلون على بغيهم إذا لم يكن