الاحتمالات، فإذا سلك هذه السبيل أمكن أن يسدد ويوفق. وكثيرًا ما يوجد من الأدلة والاحتمالات ما يكون أقوى عند قوم، وأضعف عند آخرين، وبحسب ذلك يقع اختلاف العلماء في المسألة الواحدة.
وإني لما تشوفت في عنفوان الطلب، ومبدأ التعلم إلى معرفة الأحكام الشرعية، تاقت النفس إلى هذه الطريقة، فنظرت في كتب أحكام القرآن المؤلفة في ذلك، فلم أجد فيها ما يشفي نهمة متعطش، ولا يقر عين طالب، لأني وجدتها، قليلًا ما نبه فيها على مآخذ حكم من ألفاظ الكتاب إلا في اليسير النزر. وأجل من اشتغل بذلك أبو الحسن كياه رحمه الله، فإنه سلك في ذلك الغرض المراد، لكنه ألم به إلمام الطير يحسو الثماد. ولما رأيت الأمر كذلك عنيت بالبحث عن ذلك، وطلب المسائل التي تستند إلى شيء من أدلة الكتاب العزيز، فاجتمع من ذلك كثير. فرأيت أن أجمعها في كتاب ليسهل على الطالب معرفتها، واقتصرت منها على ما هو أظهر تعلقًا، وأبين استنباطًا، ليكون مسبارًا لغيرها ودليلًا على مأخذ سواها.
وما عرض من اختلاف لأهل العلم في شيء من ذلك ذكرته ليعرف الناظر في كتابي ما اتفق عليه من الأحكام، وما اختلف فيه، وهذه إحدى فوائد معرفة الخلاف. والفائدة العظمى في معرفته أن يعرف الإنسان منها أدلة الشرع واحتمالاته، فإن أهل العلم ما اختلفوا في شيء إلا عن أدلة تعارضت، واحتمالات تخالفت، فقوي عند أحدهم دليل واحتمال لم يقو عند الآخر. ولهذا كان الشافعي -رضي الله عنه- يقول بالقولين في السؤال عن مسألة واحدة في حالٍ واحدة، ومالك -رضي الله تعالى عنه-