وهذا السبب هو الذي يعبر عنه أصحاب مالك باللوث، فالمدعي هو من قوي سببه، والمدعى عليه هو من ضعف سببه، فليس بين أمر التدمية وبين حديث المدعي والمدعى عليه اختلاف. وقول من قال: إن الحكم بالقسامة خلاف الأصول غير صحيح. ودليل صحة عمل التدمية وكونها جارية على هذا الأصل ما جاء في الآية المذكورة من إخبار القتيل وقوله: قتلني فلان. وقد قال جماعة منهم الفقيه أبو عمر بن عبد البر وغيره: إن الاحتجاج بهذه الآية غفلة شديدة وشعوذة لأن إحياء ذلك القتيل كان آية لنبي لا سبيل إليها اليوم، ولم قسم على قتيل بني إسرائيل، وإنما علم صدق قوله بالآية. وهذا غير صحيح بل الدليل منها قائم وذلك أن الآية إنما كانت في الأحياء. وأما قوله بعد أن حيي قتلني فلان فليس فيه آية، وقد كان الله تعالى قادرًا على أن يحيي غيره من الأموات، فيقول ذلك فتكون فيه آيتان؛ آية إحيائه، وآية إخباره بالغيب، فلما خصه الله تعالى بالإحياء بين سائر الأموات، دل ذلك على أن الشرع كان عندهم: أن من قُتل فأُدرك حيًا فأخبر بقاتله صدق قوله، فلما فات بالموت ولم تدرك حياته أحياه الله تعالى لنبيه ليستدرك ذلك. وأما القسامة فإنها وإن كانت لم ترد في قصة القتيل المذكور في الآية فإنها وردت في الحديث المشهور فرأى مالك -رضي الله عنه- أن يجمع بين الحديث والآية فيصدق بمقتضى الآية، وتكون القسامة بمقتضى الحديث لأن التدمية لوث، ولا فرق بينه وبين اللوث الذي وقعت القسامة فيه في الحديث. فإن قيل: القسامة حكم زائد على ما جاء في الآية والزيادة نسخ قلنا: هذا الأصل مختلف فيه، والمختار في هذا ألا يكون نسخًا لأنه لم يتغير حكم المزيد عليه مثل زيادة التغريب على الجلد في البكر الزاني. وفي ((المبسوطة)) عن يحيى من أصحاب مالك أنه قال: لا أقول بالتدمية ولا أراها نحو قول الجمهور،