وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلسون وهو جنبًا في المسجد، وجعلوا القعود كالمرور. وقال بعضهم: يجلس فيه ويمر إذا توضأ، وهو قول ابن حنبل. وقال قوم: لا يجلس فيه ولا يمر وهو قول الكوفيين وأشهر قولي مالك، وروي عن ابن عباس وغيره: إن لم يجد بدًا تيمم ومر فيه ولا يقعد، وهو قول الثوري وإسحاق. وأما القول الأول فضعيف ومخالف لظاهر الآية؛ لأن الله تعالى نهى عن القرب من موضع الصلاة جنبًا، ثم أباح للجنب إذا كان عابر سبيل أن يعبره فمن أباح القعود فيه فقد أجاز ما نهى الله تعالى عنه. والقول الثاني مثله في الضعف بل أضعف. وأما القول الثالث وهو أشهر قولي مالك، فصحيح وليس في الآية ما يرده؛ لأن الآية على هذا القول إنما هي في المسافر الجنب إذا حضر الصلاة كما قدمنا، فليس فيها إباحة شيء من ذلك. ويؤيد هذا القول حديث عائشة، قالت: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجوه بيوت أصحابه شارعة في المسجد، فقال:((وجهوا هذه البيوت عن المسجد))، ثم دخل ولم يصنع القوم شيئًا رجاء أن ينزل لهم رخصة، فخرج إليهم بعد فقال:((وجهوا هذه البيوت فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب))، قالوا: فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بهذا صيانة للمسجد عن اجتياز الجنب. وأما القول الرابع وهو أحد قولي مالك، فمحمول على أن الآية في غير المسافر، وأن المراد بالصلاة المسجد،