اعتزلوكم أي إذا وقع هذا فلم يقاتلوكم فلا سبيل لكم عليهم، وهذا كله الذي في سورة الممتحنة في قوله تعالى:{لا ينهاكم الله عن الذين يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم كم دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم}[الممتحنة: ٨]، منسوخ بما في سورة براءة، قاله ابن زيد وغيره. وقال أبو الحسن: قال أبو عبيدة: ((يصلون)) يتنسبون. والانتساب يكون بالحلق وبالرحم والولاء، فجائز أن يدخل هؤلاء في عهد من انتسبوا إليه على حسب ما كان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قريش من المواعدة، فدخلت خزاعة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ودخلت كنانة في عهد قريش ثم نسخت العهود ببراءة؛ فالمنسوخ ذلك العهد فمتى دعت الإمام حاجة إلى مهادنة الكفار من غير جزية يؤدونها، فكل من انتسب إلى المعاهدين على مقتضى هذه الآية صار منهم، واشتمل الأمان عليهم.
ثم إنه تعالى نبه بقوله:{ستجدون} إلى آخر الآية (٩١) على قوم آخرين مخادعين يريدون الإقامة مع أهليهم في مواضعهم، فيقولن: نحن معكم على دينكم خديعة منهم. واختلف في المشار إليهم بذلك من العرب، فقيل: أسد وغطفان لأنها كانت بهذه الصفة. وقيل: نعيم ابن مسعود الأشجعي، كان ينقل بين النبي وبين الكفار الأخبار. وقال قوم: كانوا يجيشون من مكة إلى النبي صلى الله عليه وسلم رياء يظهرون الإسلام ثم يرجعون إلى قريش فيكفرون، فقصهم الله تعالى وأخبر أنهم على غير صفة من تقدم.