وبعض أصحاب أبي حنيفة في إجازة ذلك؛ لقوله تعالى:{يحكم به ذوا عدل منكم}، فخاطب من يلزمه التحكيم، فاقتضى أن يكون الحكمان غير أن المحكوم عليه؛ كما قال:{وأشهدوا ذوي عدل منكم}[الطلاق: ٢]، فاقتضى أن يكون الشاهدان غير المشهود عليه.
- قوله تعالى:{هديًا بالغ الكعبة}:
يقتضي ظاهره أن ما يخرج من النعم جزاء عن الصيد يجب أن يكون مما يجوز أن يهدي، وهو الجذع من الضأن والثني من غيره. وبهذا الذي تقتضيه الآية قال مالك وجميع أصحابه: وإن أخرج ما دون ذلك لم يجزه وإن كان في لحمه شبع ما يشبع من ذلك الصيد. وجوز ذلك أبو حنيفة والشافعي على وجه المثل. ودليل القول الأول قوله تعالى:{يحكم به ذوا عدل منكم هديًا بالغ الكعبة}، فنص تعالى على أن الذي أمر به من النعم يكون هديًا، ولا يصح ذلك فيما يكون دون الجذع من الضأن والثني من غيره. وقوله تعالى أيضًا:{هديًا بالغ الكعبة}، يقتضي أن يصنع به ما يصنع بالهدي من سوقه من الحل إلى الحرم. وذهب أبو حنيفة والشافعي إلى أنه إن اشتراه في الحرم أجزأه. ودليل القول الأول ما قدمناه، ويؤيد ذلك قوله تعالى:{بالغ الكعبة}، ولم يرد الكعبة بعينها، وإنما أراد الحرم بذكر الكعبة؛ لأنها هي المقصود من الحرم، ولا يبلغ الهدي الحرم إلا من الحل، ولا يبلغه من الحرم، ولو تكلم تكلم بمثل ذلك لم يكن من كلام العرب.