أن أجمع كتابًا يشتمل على الأحاديث المروية بأسانيد يحتجُّ محمد بن إسماعيل ومسلم بن الحجاج بمثلها، إذ لا سبيل إلى إخراج ما لا علة له، فإنهما رحمهما الله لم يدعيا ذلك لأنفسهما، وقد خَرَّج جماعةٌ من علماء عصرهما ومن بعدهما عليهما أحاديث قد أخرجاها وهي معلولةٌ، وقد جهدتُ في الذَّب عنهما في "المدخل إلى الصحيح" بما رَضِيَه أهلُ الصَّنْعة، وأنا أستعينُ الله على إخراج أحاديث رواتها ثقات، قد احتج بمثلها الشيخان ﵄ أو أحدهما، وهذا شرط الصحيح عند كافة فقهاء أهل الإسلام: أنَّ الزيادة في الأسانيد والمتون من الثّقات مقبولة.
هكذا قال الحاكم في مقدمة كتاب "المستدرك"!! ولا يُسلَّم له أولًا ما ادعاه من كون الشيخين قد صححا ما له عِلّةٌ، بحجة أن علماء عصرهما ومن بعدهما قد بينوا علل بعض تلك الأحاديث التي صححاها، فكأن الحاكم جعل قول من نازع الشيخين في ذلك مُسلَّمًا، مع أن أكثر ذلك مما رُجح فيه قولهما، كما بين ذلك جماعة من العلماء، منهم ابن حجر في مقدمة شرحه على البخاري، والإمام النووي في شرحه على مقدمة "صحيح" مسلم.
ثم إنه في كتابه "المدخل إلى الصحيح" كان ذبه عن الشيخين قاصرًا على ذكر الرواة الذين عِيبَ على الشيخين إخراجُ حديثهم، فردَّ بأنهما إنما أخرجا لهم في المتابعات والشواهد ومقرونين بآخرين وفي التعاليق، لا في الأصول، ولم يذكر فيه ذبَّه عن الأحاديث التي أعلها بعض علماء عصرهما ومن بعدهما بأي من أوجه الإعلال مما ليس للجرح فيها مدخلٌ، وقد ذهب الحاكم نفسه إلى أن الحديث إنما يُعلَّ من أوجه ليس للجَرْح فيها مدخلٌ، فما باله غيّر رأيه هنا في مقدمة "المستدرك" ليجعل الجَرحَ في الرواة من أوجه العلل؟! وكأنه تغيَّر اجتهاده في ذلك الأمر، ليدخل جَرحَ الرواة في أبواب العلل.
ثم ترخَّص الحاكم أكثر بأن جعل كل ما قد يُعَلُّ به الحديث من غير جرح الرواة مما فيه تعارض بزيادة ونقصان؛ من وقفِ مرفوع أو إرسال موصول أو تفرُّدٍ