للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

جلوسٌ مَرجِعَها من العراق لياليَ قُوتل عليٌّ، إذ قالت: يا عبدَ الله بن شدّاد، هل أنت صادقِي عمَّا أسألك عنه؟ حَدِّثني عن هؤلاء القومِ الذين قتَلَهم عليٌّ، قلت: وما لي لا أَصدُقُكِ؟ قالت: فحدِّثني عن قصتهم، قلت: إنَّ عليًّا لما كاتَبَ معاويةَ وحَكَّم الحكَمَين، خرج عليه ثمانية آلاف من قُرّاء الناس، فنزلوا أرضًا من جانب الكوفة يقال لها: حَرُوراء، وإنهم أنكَروا عليه، فقالوا: انسلخْتَ من قميصٍ ألبَسَكَهُ اللهُ وأسماكَ به، ثم انطلقتَ فحكَّمْتَ في دِين الله، ولا حُكمَ إِلَّا لله، فلما بلغ عليًّا ما عَتَبوا عليه وفارَقُوه، أمَرَ فأذَّن مُؤذِّن: لا يَدخُلَنَّ على أمير المؤمنين إلّا رجلٌ قد حَمَلَ القرآن، فلما أن امتلأ من قرّاء الناس الدارُ، دعا بمصحف عظيم، فوضعَه عليٌّ بين يديه، فطَفِقَ يَصُكُّه بيده، ويقول: أيها المصحفُ حَدَّثَ الناسَ، فناداه الناسُ، فقالوا: يا أمير المؤمنين، ما تسألُه عنه؟ إنما هو وَرَقٌ ومِدادٌ، ونحن نتكلّم بما رأينا منه، فماذا تريد؟ قال: أصحابكم الذين خرجوا بيني وبينهم كتابَ الله، يقول اللهُ ﷿ في امرأة ورجل: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا﴾ [النساء: ٣٥]، فأُمَّةُ محمد أعظمُ حُرمةً من امرأة ورجل.

ونَقَمُوا عليَّ أني كاتبتُ معاويةَ وكتبتُ (١) عليَّ بن أبي طالب، وقد جاء سُهيل بن عمرو ونحن مع رسول الله بالحُدَيبيَة حين صالَحَ قومَه قريشًا، فكتب رسول الله : بسم الله الرحمن الرحيم، فقال سُهيلٌ: لا تَكتُبْ: بسم الله الرحمن الرحيم، قال: "فكيف أكتُبُ؟ " قال: اكتُبْ: باسمِك اللهمَّ، فقال رسول الله : "اكتُبْ" ثم قال: "اكتُبْ: من محمدٍ رسول الله" قال: لو نعلمُ أنك رسولُ الله لم نُخالِفْك، فكتب: هذا ما صالَحَ عليه محمدُ بن عبد الله قريشًا. يقول الله في كتابه: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ﴾ [الأحزاب: ٢١].


(١) وقع في النسخ الخطية: وكتب، بصيغة الغائب، والمثبت بصيغة المتكلم من رواية البيهقي في "الكبرى" ٨/ ١٧٩ - ١٨٠ عن أبي عبد الله الحاكم، وكذلك جاء في "تاريخ دمشق" لابن عساكر ٢٧/ ١٠٢ - ١٠٣ حيث رواه من طريق البيهقي عن الحاكم.

<<  <  ج: ص:  >  >>