الحمدُ لله رب العالمين، الذي بَرَأ العبادَ وصوّرهم فأحسن صُوَرَهم، والذي أنعم عليهم بعظيم النِّعَم، وعافاهم من خَطير النِّقَم، وأجزل لهم العطاء، وامتَنَّ عليهم بمزيد السّخاء، ثم قهر العبادَ بالنقص والنسيان، والقصور عن بلوغ غاية الإتقان، ليكون هو وحدَه الربَّ المتفرِّدَ بصفات الكمال، المنزَّهَ عن صفات العيب والنقصان.
وصلَّى الله وسلَّم على سيدنا محمد بن عبد الله، صاحبِ المقام المحمود، الذي ميَّزه به ربُّه المعبود، يوم لا يغني والدٌ عن مولود، ولا وادٌّ عن مودُود، رزقنا الله شفاعته والشربَ من حَوضِه الكوثر المورود، برحمتِه سبحانَه وفضلِه المعهود، وبعدُ:
فإن كتاب أبي عبد الله الحاكم النيسابوري هذا الموسوم بـ "المستدرك على الصحيحين" لَيُعدُّ ديوانًا مهمًا من دواوين السنة النبوية المطهرة، بما اشتمل عليه من الروايات والطرق الفرائد، التي لم يسبقه إليها أحدٌ من أئمة الحديث، ولا غرو في ذلك؛ لأنه إنما استقى تلك الروايات والطُّرق الفريدة من مَوارد لم يشاركه فيها غيرُه؛ إذ كان بنيسابور، كبرى حواضر العالم الإسلامي في شتى العلوم آنذاك، ولا سيما علم الحديث، وتنقل أبو عبد الله بصبر وجَلَدٍ عزّ نظيره بين مدنها وقُراها ونواحيها، والْتقى بجمٍّ غفيرٍ من الشيوخ النيسابوريين الذين سجَّل أسماءهم في ديوانه المشهور الموسوم بـ "تاريخ نيسابور"، وترجم لكل منهم بترجمة تُظهر منزلتَه وحالَه.
وقد كان لأبي عبد الله الحاكم مصنفات جليلة في علم الحديث، وأجلُّها هذا الكتاب العظيم الذي سماه بـ "المستدرك على الصحيحين"، ولكن بالرغم من