جلالة قدر هذا الكتاب فإنه لم يَنَل من العناية والتحقيق ما يستأهِلُه مثلُه من دواوين السُّنّة، فاستعنَّا بالله على خوض غِمار تحقيقه، ومقابلة أصوله الخطية، وتخريج نصوصه، وضبطه وشرحه.
وكنا قبل الشروع في تحقيق هذا الكتاب قد ظننّا باديَ الرأي - بنظرة عَجْلَى - أن الخطب فيه يسيرٌ، والعمل فيه هيِّن، ولا سيما أنّا قد حقَّقنا من قبله من كتب السنة ما ظنناه مُغنِيًا لنا عن الإطالة في هذا الكتاب؛ فعزمنا على أن نذكر عند كل حديثٍ في "المستدرك" نبذةً يَسيرةً نُظهر فيها الحُكم عليه وتخريجه من الكتب الستة مع "مسند أحمد" و "صحيح ابن حبان"، ثم نحيل القارئ إلى تحقيقاتنا لهذه الكتب السابقة، بحيث يجد فيها التوسعَ في الحكم على الحديث، والتخريجَ مستوفًى على الوجه الأتم الأكمل الذي يرتضيه أهل هذه الصناعة إن شاء الله.
ولكننا بعد قطع بعض مادّة هذا الكتاب تبيّن لنا أن الأمر بخلاف ما كنا نظنُّ، وأنَّ كثيرًا من أحاديثه هي بحاجة إلى مزيد من النظر والدراسة والبحث، ولا سيما وأن كثيرًا من رجاله الذين هم في طبقة متأخرة عن طبقة رجال الكتب الستة، يتطلب الأمر دراسة أحوالهم دراسة دقيقة وافية، وذلك أن كثيرًا منهم عثرنا على تراجمهم بعد التقصي والبحث الحثيث مبثوثةً في أثناء كتب التراجم والتاريخ والأنساب، ولم يُفرَد لهم تراجم واضحة تُظهر لنا حالتهم في رواية الحديث من حيث الضبط، خاصةً وأن كتاب "تاريخ نيسابور" لأبي عبد الله الحاكم مما لم يُعثَر عليه - حتى الآن - من كتب تراثنا الإسلامي الذي ربما يكون من جملة ما فُقِد أو تَلِف في بعض الكوائن السابقة المؤلمة التي عصفت ببلاد الإسلام؛ ككائنة التتار وغيرها.
وقد سَلِمَ لنا منه - بحمد الله - ما استصفاه الإمامُ أبو سعد السمعاني في كتابه الجليل الموسوم بـ "الأنساب الذي جعل كتاب "تاريخ نيسابور" للحاكم مِن أهم موارده في التراجم، فقد حرص على إيراد كثير من تراجم الرجال النيسابوريين