للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فأقبلتْ تَهوِي، حتى إذا كانت في أسفله ارفضت (١)، فما بقيت دارٌ من دُور قومِك ولا بيتٌ إلا دخل فيه بعضُها، فقال العباس: والله إنَّ هذه لرؤيا فاكتُمِيها، قالت: وأنت فاكتُمْها، لئن بلغت هذه قريشًا لَيُؤذُونا.

فخرج العباس من عندها ولقي الوليدَ بن عُتبة - وكان له صديقًا - فذكرها له، واستكتمه إياها، فذكرها الوليد لأبيه، فتحدَّث بها ففَشَا الحديث، قال العباس: والله إني لَغَادٍ إلى الكعبة لأطُوفَ بها إذ دخلتُ المسجد، فإذا أبو جهل في نفرٍ من قريش يتحدثون عن رؤيا عاتكة، فقال أبو جهل: يا أبا الفضل، متى حدثت هذه النبيَّة فيكم؟! قلت: وما ذاك، قال: رؤيا رأتها عاتكة بنت عبد المطلب، أما رضيتُم يا بني عبد المطلب أن تنبأ رجالكم حتى تنبأ نساؤكم! فسنتربَّص بكم هذه الثلاث التي ذكرت عاتكة، فإن كان حقًّا فسيكون، وإلا كتبنا عليكم كتابًا أنكم أكذَبُ أهل بيتٍ في العرب، فوالله ما كان إليه مني من كبيرٍ إلَّا أني أنكرتُ ما قالت، فقلت: ما رأت شيئًا ولا سمعتُ بهذا، فلما أمسيتُ لم تبق امرأةٌ من بني عبد المطّلب إلَّا أتتني، فقلن: صبرتُم لهذا الفاسق الخَبيث أن يقع في رجالكم، ثم تناول النساء وأنت تسمعُ، فلم يكن عندك في ذلك غَيْرٌ (٢)؟! فقلت: قد والله صدقتن، وما كان عندي في ذلك من مِن غَيْرِ، إلَّا أني قد أنكرتُ ما قال، فإن عاد لأكْسَعَنَّه، فغَدَوتُ في اليوم الثالث أتعرَّضُه ليقول شيئًا فأُشاتِمَه، فوالله إني لَمُقبلٌ نحوه، وكان رجلًا حديد الوجهِ، حديد المنظَر، حديد اللسانِ، إذ ولى نحو باب المسجد يَشتَدُّ، فقلتُ في نفسي: اللهم العنه، أكل هذا فَرَقًا أن أُشاتِمَه، وإذا هو قد سمع ما لم أسمع، صوتَ ضَمْضَم بن عمرو وهو واقفٌ


(١) تحرفت العبارة في النسخ الخطية إلى: كانت في أسفل ثم ارفاضت، والمثبت من رواية البيهقي في "الدلائل"، وارفضت بمعنى: تفتتت وتفرقت.
(٢) تحرّفت في أصولنا الخطية إلى: غيرا، بزيادة الألف آخره، وجاء على الصواب في "دلائل النبوة" للبيهقي، إذ رواه عن الحاكم، والغَيْر: التغيير والتبديل، فكأنَّ المعنى: أنه لم يكن عندك تغيير لما قيل، ولا إنكار لما تعرضنا إليه من الشتم والتوبيخ.

<<  <  ج: ص:  >  >>