صاحبه؟ فغَضِبَتا ثم قالتا: أمَ والله لو كانت رجالُنا حُضُورًا ما تكلَّمتَ بهذا، ثم وَلَّتا، فخرجتُ أقْفُو آثارَهُما، حتى لَقِيَتا رسول الله ﷺ، فقال:"ما أنتُما؟ ومن أين أنتُما؟ ومن أين جئتُما؟ وما جاء بِكُما؟ "، فأخبرَتاهُ الخَبَر، فقال:"أين تركتُما الصابئ؟ " فقالتا: تركناهُ بين السُّتور والبِناء، فقال لهما:"هل قال لكما شيئًا؟ " قالتا: نعم، وأقبلتُ حتى جئتُ رسول الله ﷺ، ثم سلَّمتُ عليه عند ذلك، فقال:"مَن أنتَ؟ وممَّن أنتَ؟ ومن أين أنتَ؟ ومن أين جئتَ؟ وما جاء بك؟ " فأنشأتُ أُعْلِمُه الخَبَر، فقال:"من أين كنتَ تأكُلُ وتشربُ؟ " فقلتُ: من ماء زمزم، فقال:"أما إنه طعامُ طُعْم"، ومعه أبو بكرٍ فقال: يا رسول الله، ائذن لي أن أُعشِّيَه، قال:"نعم"، ثم خرجَ رسولُ الله ﷺ يمشي، وأخذ أبو بكرٍ بيدي، حتى وَقَفَ رسول الله ﷺ باب أبي بكر، ثم دخل أبو بكر بيتَه، ثم أتى بزبيبٍ من زَبيب الطائف، فجعل يُلقيه لنا، قبضًا قبضًا، ونحن نأكلُ منه حتى تملَّأنا منه.
فقال لي رسول الله ﷺ:"يا أبا ذرِّ" فقلتُ: لبَّيك، فقال لي:"إنه قد رُفِعَت لي أرضٌ، وهى ذاتُ مالٍ ولا أحسَبُها إِلَّا تِهامة، فاخرُج إلى قومك فادْعُهم إلى ما دخلت فيه"، قال: فخرجتُ حتى أتيتُ أمّي وأخي، فأعلمتُهُم الخبر، فقالا: ما لنا رغبةٌ عن الدِّين الذي دخلت فيه، فأسلما، ثم خرجنا حتى أتينا المدينةَ، فأعلمتُ قومي، فقالوا: إنا قد صَدَّقناك، ولعلَّنا نلقى محمدًا، ﷺ، فلما قَدِم علينا رسولُ الله ﷺ لَقيناهُ، فقالت له غِفارٌ: يا رسول الله، إنَّ أبا ذرٍّ أعلمَنا ما أعلمتَه، وقد أسلَمْنا وشَهِدْنا أنك رسولُ الله ﷺ، ثم تَقدَّمَت أَسلَمُ خُزاعة (١)، فقالت: يا رسول الله، إنا قد رَغِبْنا ودخَلْنا فيما دخل فيه إخوانُنا وحُلفاؤنا، فقال رسول الله ﷺ:"أسلَمُ سَالَمَها اللهُ، وغِفارُ غَفَرَ اللهُ لها"، ثم أخذ أبو بكر بيدي، فقال: يا أبا ذرّ، فقلتُ: لبَّيك يا أبا بكرٍ، فقال: هل كنتَ تَألَّهُ في
(١) وقع في نسخنا الخطية: أسلم وخزاعة، بواو العطف، وإنما أراد الإضافة لا العطف، يعني أسلم الذين هم إخوة خُزاعة، دون غيرهم. وانظر "معرفة علوم الحديث" للحاكم ص ١٦٧ حيث ذكر أسلم خزاعة وأسلم بني جُمح، مُفرِّقًا بينهما في مؤتلف ومختلف الأنساب.