للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ابن عَجْلان، عن أبيه، أنه سمع أسلَمَ العِجْليَّ يقول: حدثني أبو الضَّحّاك الجَرْمي، عن هَرِم بن حيَّان العَبْدي، قال: قدمتُ الكوفةَ، فلم يكن لي همٌّ إلَّا أُويسٌ القَرَني؛ أَطلبُه وأسألُ عنه، حتى سقَطتُ عليه جالسًا وحدَه على شاطئ الفُرات نصفَ النهارِ، يتوضّأ ويَغسِل ثوبَه، فعرفتُه بالنَّعتِ، فإذا رجلٌ لَحِمٌ، آدَمُ شديدُ الأُدْمةِ، أشعَرُ مَحلُوقُ الرأسِ - يعني ليس له جُمَّةٌ - كثُّ اللِّحيةِ، عليه إزارٌ من صُوفٍ ورداءٌ من صُوفٍ بغير حِذاء، كَرِيهُ الوجه، مهيبُ المَنظَرِ جدًّا، فسلّمتُ عليه، فردَّ علَيَّ ونَظَر إليَّ، فقلت (١): حيّاك اللهُ من رجلٍ، فمَدَدتُ يدي إليه لأصافِحَه، فأَبى أن يُصافِحَني، وقال: وأنتَ فحيّاك اللهُ، فقلت: رَحِمَك اللهُ يا أُويس، وغَفَر لك، كيف أنتَ رحِمَك الله؟ ثم خَنقَتْني العَبْرةُ من حُبّي إياه، ورِقّتي له لما رأيتُ من حالِه، أو رأيتُ من حالِه ما رأيتُ حتى بَكَيتُ وبكى، ثم قال: وأنت فرَحِمَك اللهُ يا هرِمَ بنَ حَيّان، كيف أنتَ يا أخي؟ مَن دلك علَيَّ؟ قال: قلتُ: اللهُ، قال: لا إله إلَّا الله ﴿سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا﴾، [فعَجِبتُ منه] (٢) حين سمّاني، ولا والله ما كنتُ رأيتُه قطُّ، ولا رآني، ثم قلتُ: من أين عرفَتَني وعرفتَ اسمي واسمَ أبي؟ فوالله ما كنتُ رأيتُك قطُّ قبلَ هذا اليوم؟ قال: نبّأَني العليمُ الخَبيرُ، عرفَتْ رُوحِي رُوحَك حيثُ كلَّمتُ نفسي نفسَك، إنَّ الأرواح لها أنفُسٌ كأنفُس الأحياء، إنَّ المؤمنين يعرف بعضُهم بعضًا، ويَتحدّثون بروح الله وإن لم يَلتَقُوا، ويتعارفُوا وإن لم يتكلَّموا، وإنْ نأَتْ بهمُ الديارُ وتفرَّقت بهمُ المَنازِل، قال: قلت: حدِّثني عن رسول الله بحديثٍ أحفَظْه عنك، قال: إني لم أُدرِك رسولَ الله ، ولم تكن لي معه صحبةٌ، ولقد رأيتُ رجالًا قد رأَوه، وقد بلغني من حديثه كما بَلَغكم، ولست أحبُّ أن أفتحَ هذا البابَ على نفسي؛ أن أكونَ محدِّثًا أو قاصًّا أو مُفتيًا، في النفس شُغْلٌ يا هَرِمَ بن حيّان.


(١) في النسخ الخطية: فقال. والصواب ما أثبتنا لمناسبة السياق.
(٢) ليست في نسخنا الخطية، وأثبتناها ليستقيم بها السياق، كما هي ثابتة في "العزلة والانفراد" لابن أبي الدنيا (١١٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>