قال: فقلتُ: يا أخي، اقرأْ عليَّ آياتٍ من كِتاب الله أسمعهُنَّ منك، فإني أُحبُّك في الله حبًّا شديدًا، وادعُ بدَعَوات وأَوصِ بوصيةٍ أحفَظْها عنك، قال: فأخذ بيدي على شاطئ الفُرات، وقال: أعوذُ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، قال: فشَهِقَ شَهْقةً، ثم بكى مكانَه، ثم قال: قال ربي جَلَّ ذكرُه، وأحقُّ القول قولُه، وأصدقُ الحديثِ حديثُه، وأحسنُ الكلام كلامُه: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (٣٨) مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ﴾ حتى بلغ ﴿إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾ [الدخان: ٣٨ - ٤٢]، ثم شَهِقَ شَهْقَةٌ، ثم سكتَ، فنظرتُ إليه وأنا أحسبه قد غُشِي عليه، ثم قال: يا هَرمَ بنَ حيّان، مات أبوكَ وأوشكَ أن تموتَ، ومات أبو حيّان، فإما إلى الجنة وإما إلى النار، ومات آدمُ وماتت حوّاءُ يا ابن حيّان، ومات نُوحٌ وإبراهيمُ خليلُ الرحمن يا ابن حَيّان، ومات موسى نَجِيُّ الرحمن يا ابن حيّان، ومات داودُ خليفةُ الرحمن يا ابن حيّان، ومات محمدٌ رسولٌ الرحمن، ومات أبو بكر خليفةُ المسلمين يا ابن حيّان، ومات أخي وصفيّي وصديقي عمر بن الخطاب، ثم قال: واعُمَراه، رحم الله عُمَرَ، وعمرُ يومئذٍ حيٌّ، وذلك في آخر خلافتِه، قال: فقلت له: رحمك الله، إنَّ عمر بن الخطاب بعدُ حيٌّ، قال: بلى، إن ربي نَعاهُ إليَّ، إن كُنتَ تَفهَمُ فقد علمت ما قلتُ، وأنا وأنت في المَوتى، وكان قد كان، ثم صلَّى على النبيِّ ﷺ ودعا بدَعَواتٍ خِفافٍ.
ثم قال: هذه وصيَّتي إليك يا هَرِمَ بنَ حيّان: كتابَ الله، وبقايا الصالحين من المسلمين، والصلاةَ على النبيّ ﷺ، ولقد نُعِيَت إليَّ نفسي ونفسُك، فعليك بذكر الموتِ، فلا يُفارقَنَّ قلبَك طَرْفةَ عَين، وأنذِرْ قومَك إذا رجعتَ إليهم، وانصَحْ أهلَ مِلّتِك جميعًا، واكدَحْ لنفسِك، وإيايَ وإياكَ أن تُفارقَ الجماعةَ فتُفارقَ دِينَك وأنت لا تعلَمُ، فتدخلَ النارَ يومَ القيامة.
قال: ثم قال: اللهمَّ إن هذا يَزعُم أنه يُحِبُّني فيك، وزارني من أجلِك، اللهم عَرِّفني وجهَه في الجنة، وأدخِلْه عليَّ زائرًا في دارِك دارِ السلام، واحفَظْه ما دام في الدنيا حيثُما