للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فقال: الزَمُوا هذا الدِّينَ ولا تَفرَّقوا، واتقوا الله (١)، واعلموا أنَّ عيسى ابنَ مريم كان عبدًا الله أنعمَ الله عليه، ثم ذَكَرني، فقالوا له: يا فلانُ، كيف وجدتَ هذا الغلامَ؟ فأثنى عليَّ وقال خيرًا، فحمِدُوا الله، وإذا خبزٌ كثير، وماءٌ كثير، فأخذُوا وجعَلَ الرجلُ يأخذ ما يكتفي به، وفعلتُ، فتفرَّقوا في تلك الجبال، ورَجَعَ إلى كهفِه ورجعتُ معه.

فَلبِثْنا ما شاء الله يخرجُ في كلِّ يوم أَحد، ويخرجون معه ويَحُفُّون به ويُوصيهم بما كان يُوصيهم به، فخرج في أَحدٍ، فلما اجتمعوا حَمِدَ الله ووَعَظَهم وقال مثل ما كان يقولُ لهم، ثم قال لهم آخرَ ذلك: يا هؤلاء، إنه قد كَبِرَ سِنِّي، ورَقَّ عظمي، واقتربَ أجلي، وإنه لا عهدَ لي بهذا البيت منذ كذا وكذا، ولا بدَّ من إتيانه، فاستوصُوا بهذا الغلام خيرًا، فإني رأيتُه لا بأسَ به، قال: فجَزعَ القومُ، فما رأيتُ مثل جَزَعِهم، وقالوا يا فلانُ، أنت كبيرٌ وأنت وحدك، ولا نأمنُ أن يُصيبَك الشيءُ، نساعدك أحوج (٢) ما كنَّا إليك، قال: فلا تُراجعوني، لا بدَّ من إتيانِه، ولكن استوصُوا بهذا الغلام خيرًا، وافعُلوا وافعُلوا، قال: فقلتُ: ما أنا بمفارقِك، قال: يا سلمان، قد رأيتَ حالي وما كنتُ عليه، وليس هذا كذلك، أنا أمشي أصومُ النَّهارَ وأقومُ الليل، ولا أستطيعُ أن أحملَ معي زادًا ولا غيرَه، وأنت لا تقدرُ على هذا، قلتُ: ما أنا بمفارِقك، قال: أنت أعلم، قال: فقالوا: يا فلان، فإنَّا نخافُ على هذا الغلام، قال: فهو أعلم، قد أعلمتُه الحالَ، وقد رأى ما كان قبلَ هذا، قلتُ: لا أفارِقُك، قال: فبَكَوا وودَّعوه، وقال لهم: اتقوا الله وكونُوا على ما أوصيتُكم به، فإن أعِشْ فعليَّ أرجع إليكم، وإن متُّ فإنَّ الله حيٌّ لا يموتُ، فسلَّم عليهم وخرجَ وخرجتُ معه، وقال لي: احمِلْ معك من هذا الخبز شيئًا تأكلُه.


(١) في النسخ الخطية ذكر الله، والمثبت من "الدلائل".
(٢) كذا في النسخ الخطية، وفي "السير" للذهبي ١/ ٥٢٩: ولسنا عندك، ما أحوج ما كنا إليك.

<<  <  ج: ص:  >  >>