قال ابن السُّبكي: الخطيب ثقة ضابط، فتأملت مع ما في النفس من الحاكم من تخريجه حديث الطير في "المستدرك"، وإن كان خَرّج أشياء غير موضوعة لا تعلّق لها بتشيع ولا غيره، فأوقع الله في نفسي أن الرجل كان عنده ميلٌ إلى عليّ ﵁ يزيد على الميل الذي يُطلب شرعًا، ولا أقول: إنه ينتهي به إلى أن يضع من أبي بكر وعمر وعثمان ﵃، ولا إنه يفضل عليًا على الشيخين، بل أستبعد أن يفضّله على عثمان ﵄، فإني رأيته في كتابه "الأربعين" عقد بابًا لتفضيل أبي بكر وعمر وعثمان، واختصهم من بين الصحابة، وقدّم في "المستدرك" ذِكرَ عثمان على عليّ ﵄. وروى فيه من حديث أحمد بن أخي ابن وهب حدثنا عمي حدثنا يحيى بن أيوب حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، قالت: أول حَجَرٍ حمله النبي ﷺ لبناء المسجد، ثم حمل أبو بكر، ثم حمل عمر حجرًا، ثم حمل عثمان حجرًا، فقلت: يا رسول الله، ألا ترى إلى هؤلاء، كيف يُسعدونك؟ فقال:"يا عائشة، هؤلاء الخلفاء من بعدي". فمن يُخرِّج هذا الحديث الذي يكاد يكون نصًا في خلافة الثلاثة، مع ما في إخراجه من الاعتراض عليه، يُظن به الرفض؟!
قال: وخَرّج أيضًا في فضائل عثمان حديث: "لينهض كل رجل منكم إلى كُفئه" فنهض النبي ﷺ إلى عثمان، وقال:"أنت وليّي في الدنيا والآخرة" وصححه، مع أن في سنده مقالات، وأخرج غير ذلك من الأحاديث الدالة على أفضلية عثمان، مع ما في بعضها من الاستدراك عليه، وذكر فضائل طلحة والزبير وعبد الله بن عمرو بن العاص، فقد غَلَب على الظنّ أنه ليس فيه - ولله الحمد - شيءٌ مما يستنكر عليه، إفراطٌ في ميل لا ينتهي إلى بدعة.
ثم قال: أنا أجوِّز أن يكون الخطيب إنما يعني بالميل إلى ذلك، ولذلك حكم بأن الحاكم ثقة، ولو كان يعتقد فيه رفضًا لجَرَحه به، لا سيما على مذهب من يرى ردّ رواية المبتدع مطلقًا، فكلام الخطيب عندنا يقرب من الصواب (١).