للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عباس، ولكن الرجل يرى هذا المذهب مذهبًا مذمومًا، وفي ذلك ما يبرئه من الرفض كما لا يخفى على كل ذي إنصاف وبصيرة.

بقي أن الحاكم رحمه الله تعالى كان ميالًا لعليّ ، ويحمل في قلبه على خصومه، ومثل هذا يعدُّ تشيُّعًا خفيفًا كما وصفه به الذهبي فيما قدّمناه عنه، وليس مثل ذلك مما يؤثِّر في الحكم على الرجل، ولا ما يغُضُّ من شأنه ومقداره؛ فقد كان التشيُّع - على هذا المعنى - في تلك الحقب الأولى مذهبًا لعدد من الحفاظ والمحدثين، ولم يكن هو وحده سببًا للجرح في الرواية عند الجمهور من نقاد الحديث ورواته ممن سلك مسلك الاعتدال في الحكم على الرجال، اللهم إلا أن يظهر من صاحبه كذب متعمَّد، أو يكون صاحبه ضعف بسبب آخر متعلق بضبط الرواية، فيكون ضعفه بسبب ذلك لا بسبب التشيع؛ وهذا معنى قول البخاري لما سئل عن أبي غسان، فقال للسائل: عَمَّاذا تسأل؟ قلت: شأنه في التشيع، فقال: هو على مذهب أهل بلده، ولو رأيتُم عُبيد الله بن موسى وأبا نُعيم و وجميع مشايخنا الكوفيين لما سألتمونا عن أبي غسان (١). قال الذهبي: وقد كان أبو نعيم وعبيد الله مُعظَّمين لأبي بكر وعمر، وإنما ينالان من معاوية وذويه (٢).

وقد كانت الكوفة في تلك الحقبة كما يقول الذهبي: تغلي بالتشيع وتفُور، والسُّني فيها طرفة (٣).

وهذا معنى قول أبي عبد الله بن الأخْرَم أيضًا لما سئل عن الفضل بن محمد الشَّعراني، فقال: صدوق، إلا أنه كان غاليًا في التشيع، قيل له: فقد حدّث عنه في "الصحيح"! قال: لأن كتاب مسلم ملآنٌ من حديث الشِّيعة (٤).


(١) نقله عنه الذهبي في "سير أعلام النبلاء" ١٠/ ٤٣٢ و ١٦/ ٣٧٣.
(٢) المصدر السابق ١٠/ ٤٣٢.
(٣) "تذكرة الحفاظ" ٣/ ٨٤٠
(٤) نقله عنه الذهبي في "تاريخ الإسلام" ٦/ ٧٩٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>