٦ - وقد ميّز الذهبي بين الرافضة وبين غيرهم من الشيعة بقوله: كل من أحبّ الشيخين فليس بغالٍ في التشيع، ومن تكلم فيهما فهو غالٍ رافضيٌّ (١). قلنا: ولا شك أن الإمام الحاكم ﵀ من الفريق الأول الذي يعظم الشيخين ﵄ وأرضاهما، ولهذا قدّم ذكر مناقبهما في "مستدركه" على مناقب علي بن أبي طالب، كما نبّه عليه ابن السبكي فيما أوردناه عنه، ثم أورد الحاكم في "المستدرك" ما يشير إلى تقديم النبي ﷺ لهما ولعثمان بن عفان من بعدهما على سائر الصحابة في عدة أخبار، مما يكاد يكون نصًا في خلافتهم - على حد تعبير ابن السُّبكي - فبطل بيقين اتهامُ الحاكم بالرفض أو الغُلُوّ في التشيع، وأنه إن كان عليه شيء من ذلك فهو ميله لعليّ ﵁، وحمله في قلبه على خصومه في زمن المحنة ولا سيما معاوية ﵁ وعن سائر الصحابة، ولكن من غير إطالة اللسان فيهم وشتمهم، على نحو ما كان عليه أهل الرفض وأهل الغُلوّ في التشيُّع.
*ولعل سائلًا يقول: هل ثمة سببٌ أدّى بالحاكم إلى ذلك الميل لعلي بن أبي طالب على هذا النحو؟
والجواب عن ذلك يمكن استنتاجه من خلال ما أفصح به الحاكم ﵀ في مقدمته لكتابه "فضائل فاطمة الزهراء"، حيث قال: إن زماننا قد خلَّفَنا في رُعاة يتقرّبُ الناسُ إليهم ببغض آل رسول الله ﵌، والوضع منهم، فكل من يتوسل إليهم فتوسله بذكر الآل بما قد نزَّهَهُم الله عنه، وإنكار كلِّ فضيلةٍ تذكر من فضائلهم، والله المستعان على ذلك.
ثم تحدث الحاكم عن سبب تصنيفه لتلك الرسالة، فقال: مما حملني على تحرير هذه الرسالة أن حضرت مجلسًا حضره أعيان الفقهاء والقضاة والأمناء من المُزكِّين وغيرهم، وجرى بحضرتهم ذكرُ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ﵁، فانتَدَب له عينٌ من أعيان الفقهاء، فقال: كان عليٌّ لا يحفظ القرآن!! وهذا