للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فهذا إرشاد له قبل وقوع المقدور (١) إلى ما هو من أعظم أسباب حصوله، وهو الحرص عليه مع الاستعانة بمن أزِمَّة الأمور بيديه، ومصدرها منه، ومردّها إليه.

فإن فاته ما لم يُقدَّر له، فله حالتان: حالة عجز، وهي مفتاح عمل الشيطان، فيلقيه العجز إلى "لو"، ولا فائدة في "لو" ههنا، بل هي مفتاح اللوم والجزع والسخط والأسف والحزن، وذلك كله من عمل الشيطان، فنهاه - صلى الله عليه وسلم - عن افتتاح عمله بهذا المفتاح، وأمره بالحالة الثانية، وهي النظر إلى القدر وملاحظته، وأنه لو قُدِّر له لم يفته، ولم يغلبه عليه أحد، فلم يبق له ههنا أنفع من شهود القدر، ومشيئة الربّ النافذة التي توجب وجود المقدور (٢)، وإذا انتفت امتنع وجوده، فلهذا قال: "فإن غلبك أمرٌ، فلا تقل: لو أني فعلت لكان كذا، ولكن قل: قدَّر الله وما شاء فعل" (٣). فأرشده إلى ما ينفعه في الحالتين: حالة حصول مطلوبه، وحالة فواته.

فلهذا كان هذا الحديث مما لا يستغني عنه العبد أبدًا، بل هو أشد شيء إليه ضرورة، وهو يتضمن إثبات القدر والكسب والاختيار، والقيام بالعبودية ظاهرًا وباطنًا في حالتي حصول المطلوب وعدمه، وبالله التوفيق.

* * * *


(١) "د": "القدر".
(٢) "د": "المعدوم".
(٣) أخرجه بهذا اللفظ أحمد (٨٧٩١)، وابن ماجه (٤١٦٨).