للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ينفعهم، فالعلم يضعف قطعًا بالغفلة والإعراض واتباع الهوى وإيثار الشهوات، وهذه الأمور توجب شبهات وتأويلات تضاده.

فتأمل هذا الموضع حق التأمل، فإنه من أسرار القدر والشرع والعدل والحكمة.

فالعلم يُراد به العلم التام المستلزم لأثره، ويراد به المقتضي، وإن لم يتم بوجود شروطه وانتفاء موانعه، فالثاني يجامع الجهل دون الأول، فتبين أن أصل السيئات الجهل وعدم العلم.

وإذا كان كذلك، فعدم العلم ليس أمرًا وجوديًا، بل هو كعدم السمع والبصر والقدرة والإرادة، والعدم ليس شيئًا حتى يستدعي فاعلًا مؤثرًا فيه، بل يكفي فيه عدم مشيئة ضده، وعدم السبب الموجِب لضده.

والعدم المحض لا يضاف إلى الله؛ فإنه شر، والشر ليس إليه.

فإذا انتفى هذا العلم الجازم عن العبد، ونفسه بطبعها متحركة مريدة، وذلك من لوازم نشأتها= تحركت بمقتضى الطبع والشهوة، وغلب ذلك فيها على داعي العلم والمعرفة، فوقعت في أسباب الشر ولا بدّ.

فصل (١)

والله سبحانه قد أنعم على عباده ــ من جملة إحسانه ونعمه ــ بأمرين، هما أصل السعادة:

أحدهما: أنْ خلقهم في أصل النشأة على الفطرة السليمة، فكل مولود


(١) انظر: «مجموع الفتاوى» (١٤/ ٢٩٥ - ٢٩٧).