للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلوبكم مثل قلوبهم، تعرفون قدر نعمتي، وتشكروني عليها، وتذكروني بها، وتخضعون لي كخضوعهم، وتحبوني كحبهم= لمننتُ عليكم كما مننتُ عليهم، ولكن لمِنَني ونعمي محالٌّ لا تليق إلا بها، ولا تحسن إلا عندها.

ولهذا يقرن سبحانه كثيرًا أو مطردًا بين التخصيص والعلم، كقوله ههنا: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ}، وقوله: {وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَاتِهِ (١)} [الأنعام: ١٢٤]، وقوله تعالى: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٦٨) وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ} [القصص: ٦٨ - ٦٩]، أي: هو سبحانه المنفرد بالخلق والاختيار مما خلق، وهو الاصطفاء والاجتباء، ولهذا كان الوقف التام على قوله: {وَيَخْتَارُ}.

ثم نفى عنهم الاختيار (٢) الذي اقترحوه بإراداتهم، وأن ذلك ليس إليهم، بل إلى الخلّاق العليم، الذي هو أعلم بمحالّ الاختيار ومواضعه، لا مَن قال: {لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} [الزخرف: ٣١].

فأخبر سبحانه أنه لا يبعث الرسل باختيارهم، وأن البشر ليس لهم أن يختاروا على الله، بل هو الذي يخلق ما يشاء ويختار، ثم نفى سبحانه أن تكون لهم الخِيَرة، كما ليس لهم الخلق.


(١) هكذا في "د" "م" بالجمع، قرأ بها الجمهور ابن عمرو وغيره كما في "النشر" (٥/ ١٦٩٢)، وانظر: "الحجة" (١٣٣).
(٢) من قوله: "ولهذا كان الوقف" إلى هنا ساقط من "م".