للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يوهم أنهما متكافئان في القدرة، كما تقول: هذا الثوب بين هذين الرجلين، وهذه الدار بين هذين الشريكين. وإنما المقدور واقع بالقدرة الحادثة وقوع المسبَّب بسببه، والسبب والمسبَّب والفاعل والآلة كله أثر القدرة القديمة، فلا نعطل قدرة الربّ تعالى عن شمولها وكمالها، وتناولها لكل ممكن، ولا نعطل قدرة العبد التي هي سبب عما جعلها الله سببًا له ومؤثّرة فيه.

وليس في الوجود شيء مستقل بالتأثير سوى مشيئة الربّ تعالى وقدرته، وكل ما سواه مخلوق له، وهو أثر قدرته ومشيئته، ومن أنكر ذلك لزمه إثبات خالق سوى الله، أو القول بوجود مخلوق لا خالق له؛ فإن فعل العبد إن لم يكن مخلوقًا لله كان مخلوقًا للعبد: إما استقلالًا، وإما على سبيل الشركة، وإما أن يقع بغير خالق، ولا مخلص عن هذه الأقسام لمنكر دخول الأفعال تحت قدرة الرب تعالى ومشيئته وخلقه.

وإذا عُرِف هذا فنقول: الفعل وقع بقدرة الربّ خلقًا وتكوينًا، كما وقعت سائر المخلوقات بقدرته وتكوينه، وبقدرة العبد سببًا ومباشرة، فالله خلق الفعل، والعبد فَعَله وباشره، فالقدرة الحادثة وأثرها واقعان بقدرة الرب ومشيئته.

فصل

قال الجبري: لو كان العبد فاعلًا لأفعاله لكان عالمًا بتفاصيلها؛ لأنه يمكن أن يكون الفعل أزيد مما فعله أو أنقص، فوقوعه على ذلك الوجه مشروط بالعلم بتفصيله، ومعلوم أن النائم والغافل قد يفعل الفعل ولا يشعر بكيفيّته ولا قَدْره، وأيضًا فالمتحرك يقطع المسافة ولا شعور له بتفاصيل الحركة ولا أجزاء المسافة، ومحرّك أصبعه محرّكٌ لأجزائها ولا يشعر بعدد