للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فنقول وبالله التوفيق: مع كل منكما صواب من وجه وخطأ من وجه.

فأما صواب الجبري فمن جهة إسناد الحوادث كلها إلى مشيئة الله وخلقه وقضائه وقدره، والقدري خالف الضرورة في ذلك، فإنّ كون العبد مريدًا فاعلًا بعد أن لم يكن أمرٌ حادث، فإما أن يكون له مُحْدِث وإما أن لا يكون، فإن لم يكن له مُحْدِث لزم حدوث حوادث بلا مُحْدِث، وإن كان له مُحْدِث فإما أن يكون هو العبد، أو الله سبحانه، أو غيرهما.

فإن كان هو العبد فالقول في إحداثه لتلك الفاعلية كالقول في إحداث سببها، ويلزم التسلسل، وهو باطل ههنا بالاتفاق؛ لأن العبد كائن بعد أن لم يكن، فيمتنع أن تقوم به حوادث لا أول لها.

وإن كان غير الله فالقول فيه كالقول في العبد، فتعين أن يكون الله هو الخالق لإرادة العبد وقدرته وإحداثه وفعله.

وهذه مقدمات يقينية لا يمكن القدح فيها، فمن قال: إن إرادة العبد وإحداثه حصل بغير سبب اقتضى حدوث ذلك، وأن العبد أحدث ذلك، وحاله عند إحداثه كما كان قبله، بل خص أحد الوقتين بالإحداث من غير سبب اقتضى تخصيصه، وأنه صار مريدًا فاعلًا مُحْدِثًا بعد أن لم يكن كذلك مِن غير مَن جعله كذلك= فقد قال ما لا يُعقَل، بل يخالف صريح العقل، وقال بحدوث حوادث بلا مُحْدِث.

وقولكم: «إن الإرادة لا تُعلَّل» كلام باطل لا حقيقة له؛ فإن الإرادة أمر حادث، فلابد له من مُحْدِث.

ونظير هذا المحال قولكم في فعل الربّ تعالى: إنه بواسطة إرادة يحدثها