للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أفضى إلى عَرْصة الدار إذا هو بصبي يلعب مع جِراء كلبة قد كانت لأهل الدار، فراعه ذلك، فلم يلبث أن أقبلت كلبة قد كانت لأهل الدار، فلما رآها الصبي حبا إليها فأمكنته من أَطْبائها فمصّها.

وذلك أن الصبي لما اشتدّ جوعه، ورأى جِراء الكلبة يرتضعون من أَطْبائها حبا إليها، فعطفت عليه، فلما سقته مرّة أدامت له ذلك، وأدام هو الطلب.

ولا يُستبعد هذا وما هو أعجب منه؛ فإن الذي هدى المولود إلى مص إبهامه ساعة يولد، ثم هداه إلى التقام حلمة ثدي لم يتقدم له به عادة، كأنه قد قيل له: هذه خزانة طعامك وشرابك التي كأنك لم تزل بها عارفًا= في هدايته للحيوان إلى مصالحه ما هو أعجب من ذلك (١).

ومن ذلك أن الديك الشاب إذا أُلْقِي له حَبٌّ لم يأكله حتى يفرقه، فإذا هرم وشاخ أكله من غير تفريق، كما قال المدائني (٢): إن إياس بن معاوية مَرَّ بديك ينقر حبًّا ولا يفرقه، فقال: ينبغي أن يكون هَرِمًا؛ فإن الديك الشاب يفرق الحبَّ لتجتمع الدجاج حوله فيصبن منه، والهَرِم قد فنيت رغبته فيهن، فليس له همة إلا نفسه. قال إياس: والديك الشاب يأخذ الحبة فيؤثر بها الدجاجة حتى يلقيها من فِيه، والهرم يبتلعها ولا يلقيها للدجاجة (٣).


(١) "الحيوان" (٢/ ١٥٠، ١٥٢).
(٢) علي بن محمد أبو الحسن البصري المدائني الأخباري (٢٢٥ هـ)، "تاريخ الإسلام" (٥/ ٦٣٨).
(٣) "الحيوان" (٢/ ١٥٥ - ١٥٦).