للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والأرض وما بينهما بالحق، ولم يخلق ذلك عبثًا ولا سُدى ولا باطلًا، وإنما أوجد العالم العلوي والسفلي ومن فيهما بالحق الذي هو وصفه واسمه وقوله وفعله، وهو سبحانه الحق المبين، فلا يصدر عنه إلا حق، ولا يقول إلا حقًّا، ولا يفعل إلا حقًّا، ولا يأمر إلا بالحق، ولا يجازي إلا بحق.

فالباطل لا يُضاف إليه، بل الباطل ما لم يُضَف إليه، كالحكم الباطل، والدين الباطل الذي لم يأذن فيه ولم يشرعه على ألسنة رسله، والمعبود الباطل الذي لا يستحق العبادة وليس أهلًا لها، فعبادته باطلة، ودعوته باطلة، والقول الباطل هو الكذب والزور، والمحال من القول الذي لا يتعلق بحق موجود، بل متعلَّقه باطل لا حقيقة له.

وهو سبحانه إنما خلق خلقه لعبادته ومعرفته، وأصل عبادته محبته على آلائه ونعمه، وعلى كماله وجلاله، وذلك أمر فطري ابتدأ الله عليه خلقه، وهي فطرته التي فطر الناس عليها، كما فطرهم على الإقرار به، كما قالت الرسل صلوات الله عليهم لأممهم: {قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ} [إبراهيم: ١٠]، فالخلق مفطورون على معرفته وتوحيده، فلو خُلّوا وهذه الفطرة لنشؤوا على معرفته وعبادته وحده.

وهذه الفطرة أمر خَلْقي خُلِقوا عليه، ولا تبديل لخَلْقه، فمضى الناس على هذه الفطرة قرونًا عديدة، ثم عرض لها موجِب فسادِها وخروجِها عن الصحة والاستقامة، بمنزلة ما يعرض للبدن الصحيح والطبيعة الصحيحة مما يوجب خروجهما عن الصحة إلى الانحراف.

فأرسل الله رسله بردِّ الناس إلى فطرتهم الأولى التي فُطِروا عليها، فانقسم الناس معهم ثلاثة أقسام: