للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قلتَ: فهلّا وفَّقَهم للخروج الذي يحبّه ويرضاه، وهو الذي خرج عليه المؤمنون؟

قلتُ: قد تقدم جواب مثل هذا السؤال مرارًا، وأن حكمته سبحانه تأبى أن يضع التوفيق في غير محله وعند غير أهله، فالله أعلم حيث يجعل هداه وتوفيقه وفضله، وليس كل محلّ يصلح لذلك، ووضع الشيء في غير محله لا يليق بحكمته.

فإن قلتَ: وعلى ذلك: فهلّا جعل المَحالّ كلها صالحة؟

قلتُ: يأباه كمال ربوبيته وملكه، وظهور آثار أسمائه وصفاته في الخلق والأمر، وهو سبحانه لو فعل ذلك لكان محبوبًا له؛ فإنه يحب أن يُذكر ويُشكر ويُطاع ويُوحّد ويُعبد، ولكن كان ذلك يستلزم فوات ما هو أحب إليه من استواء أقدام الخلائق في الطاعة والإيمان، وهو محبته لجهاد أعدائه والانتقام منهم، وإظهار قدر أوليائه وشرفهم، وتخصيصهم بفضله، وبَذْل نفوسهم له في معاداة من عاداه، وظهور عزته وقدرته وسطوته، وشدّة أخذه، وأليم عقابه، وأضعاف أضعاف هذه الحكم التي لا سبيل للخلق ــ ولو تناهوا في العلم والمعرفة ــ إلى الإحاطة بها، ونسبة ما عقلوه منها إلى ما خفي عنهم كنقرة عصفور في بحر.

فصل

وأما التزيين، فقال تعالى: {كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ} [الأنعام: ١٠٨]، وقال: {(٧) أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَأَىهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [فاطر: ٨]، وقال: {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام: ٤٣]،