كما أنه موصوف بالإرادة وليست كإرادة الحيوان؛ فإن الحيوان يريد ما يريده ليجلب له به منفعة أو يدفع به عنه مضرة، وكذلك غضبه سبحانه ليس مشابهًا لغضب خلقه؛ فإن غضب المخلوق هو غليان دم قلبه طلبًا للانتقام، والله يتعالى عن ذلك، وكذلك سائر صفاته.
فكما أنه ليس كمثله شيء في إرادته ورضاه وغضبه ورحمته وسائر صفاته؛ فهكذا حكمته سبحانه لا تماثل حكمة المخلوق، بل هي أجلّ وأعلى من أن يقال: إنها تحصيل لذة أو دفع حزن، فالمخلوق لنقصه يحتاج أن يفعل ذلك؛ لأن مصالحه لا تتم إلا به، والله سبحانه غني بذاته عن كل ما سواه، لا يستفيد من خلقه كمالًا، بل خلقه يستفيدون كمالهم منه.
الجواب التاسع: أن يقال: قد دلّ الوحي مع العقل على أنه سبحانه يحب ويبغض.
أما الوحي فالقرآن مملوء من ذلك، وأما العقل فما نشاهد في العالم من إكرام أوليائه وأهل طاعته، وإهانة أعدائه وأهل معصيته؛ شاهد لمحبته لهؤلاء ورضاه عنهم، وبغضه لهؤلاء وسخطه عليهم.
ومعلوم قطعًا أن من يحب ويبغض أكمل محبة وبغضًا، وهو قادر على تحصيل محابه، فإن حكمته فيما يفعله ويتركه أتم حكمة وأكملها، فهو يفعل ما يفعله لأنه يوصل إلى محابه، ويترك ما يتركه لأنه لا يحبه، وإذا فعل ما يكرهه لم يفعله إلا لإفضائه إلى ما يحب، وإن كان مكروهًا في نفسه.
فإن أردت باللذة والسرور والهم والحزن: الحبَّ والبغضَ فالربُّ تعالى يحب ويبغض، ولا يُطلَق عليه لذة ولا غم ولا حزن، تعالى الله عن ذلك.