للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ألغاه، فلا يُلتفت إليه.

وقالت فرقة أخرى: إنما حَجَّه لأنه لامه في غير دار التكليف، ولو لامه في دار التكليف لكانت الحجة لموسى عليه.

وهذا أيضًا فاسد من وجهين:

أحدهما: أنّ آدم لم يقل له: لُمتني في غير دار التكليف، وإنما قال: أتلومني على أمر قد قُدِّر عليَّ قبل أن أُخلق. فلم يتعرّض للدار، وإنما احتج بالقدر السابق.

الثاني: أنّ الله سبحانه يلوم الملومين من عباده في غير دار التكليف، فيلومهم بعد الموت، ويلومهم يوم القيامة.

وقالت فرقة أخرى: إنما حَجَّه لأن آدم شهد الحُكْمَ وجريانه على الخليقة، وتفرُّدَ الربّ سبحانه بالربوبية، وأنه لا تتحرك ذرة إلا بمشيئته وعلمه، وأنه لا رادّ لقضائه وقدره، وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن.

قالوا: ومشاهدةُ العبدِ الحُكْمَ لا يدع له استقباح سيئة؛ لأنه يشهد نفسه عدمًا محضًا، والأحكام جارية عليه، مُصَرِّفة له، وهو مقهور مربوب مُدَبَّر، لا حيلة له، ولا قوة له.

قالوا: ومَن شهد هذا المشهد سقط عنه اللوم.

وهذا المسلك أبطل مسلك سُلِك في هذا الحديث، وهو شرٌّ من مسلك القدرية في رده، وهم إنما ردّوه إبطالًا لهذا القول، وردًّا على قائليه، وأصابوا (١) في


(١) "م": "وأجادوا".